هل «كورونا» مجرد «فايروس» أم وباء جامح، أم أنه غزو يحاك لغاية وبات في الأجساد يرتع؟.. أظنه أضحوكة وجدت أراضي خصبة والكل يزرع.. ومن رآه حقيقة فهو الذي من كل أمر صار يفزع.. كلٌ يراه بعينه، ويفنّد الأقوال في أخباره، وإن تحدث صار يقنع.. عشناه منذ ظهوره، فكان مثل بقية الأخبار يُسمع.. ثم انتشر، ثم اقترب، ثم اضطرب، ثم أصبح هاجساً في زوايانا تربع، فأخذنا حذرنا، وعزلنا أنفسنا، والتزمنا بيوتنا، وتوقفت أعمالنا، وهل عساه بكل ذاك سيقنع؟ شغل الدول وحكامها في محاولة السيطرة عليه، والتفتت جميع الأنظار إليه، وحيّر العلماء، وأعيا الأطباء في محاولة التعرف عليه، ودراسته للقضاء عليه، ولكننا وجدنا أن من فرّ منه بالأمس، عاد بكامل إدراكه ووعيه اليوم إليه.. خشيناه وهو وليد واختبأنا منه، وأدركنا كم هو عنيد، فصاحبناه عندما كبر، فأدركنا ضعفه.. فواجهناه بكل قوتنا، وفرضنا عليه سطوتنا، وتجردنا من مخاوفنا، فكافحناه بالتحصين، حتى بدا لنا الجدار متينا، فتغيرت نظرتنا إليه بعد أن قوينا عليه، فلم يعد وباء نخشاه، ولكنه اليوم مجرد فايروس نتوقاه. وإن لم يفلح معه اللقاح، فلا بأس بأن نجرب مناعة القطيع، فنجعل داءه دواءنا، وبالإصابة به شفاءنا، فعادت لنا حياتنا.. وإن كان هو تجرأ على أن يتكاثر بيننا إذا أرسل لنا متحوراته فنحن له بالمرصاد، وأصبح شعارنا: «سنتغلب عليه وعلى تطوراته». وبالرغم من كل ذلك وعندما تمكن مني، ورأيته عن قرب بمجهر عقلي رأيت به ملامح أعجبتني، فهو الذي استطاع أن يغير عادات وتقاليد غزتنا قبله وعجزنا عن التحرر منها، فعادت للحياة بساطتها، والنفوس إلى فطرتها، وتحررت العقول من سيطرة المظاهر عليها بل من تفاهتها. كان له دور في زيادة الوعي فينا، وشعرنا بالنضج في صغيرنا قبل كبيرنا، وأصبح الجميع قادراً على تحمل المسؤولية، فها هو ابني يذكرني بدوائي، ويراقب صحة غذائي، ويحرص على تعقيم ملبسي وحذائي، ويلازمني طوال الوقت، فهو أمامي وفي نفس الوقت ورائي، وهي أمور كنت أفتقدها قبله. أخيراً.. من العدل أن نذكر مناقب «كورونا» كما سردنا أضراره.. فسحقاً له من مرض، وأكرم به من مربٍ وواعظ.