تتجه أصابع الاتهام إلى وسائل التواصل الاجتماعي فيما يُسمّى بصناعة التفاهة، وذلك بالتركيز على بعض الأسماء التافهة التي لا تقدم أي مضمون يستحق الالتفات، وإبرازها فقط لمجرد الاختلاف أو الجرأة أحيانا، وتتهم الفضائيات والصحافة التقليدية أيضا بأنها هي الأخرى تساهم في صناعة التفاهة باستضافة ذات الأسماء من باب استقطاب متابعيها وتحقيق مكاسب إعلانية من خلالهم. لكن، وفي واقع الأمر ليس هؤلاء فقط هم من يُسوّق للتفاهة في هذا الزمن، فالقضية ليستْ في من يسوّق لمن، القضية هي من يتحكّم في مَنْ؟ خاصة بعدما أصبح السعار خلف جني الأموال بأي طريقة أمرًا مشاعًا، وبعدما أصبحتْ النجومية هي إحدى أدوات الإثراء، وتحقيق المكاسب. لهذا ف «الظلم من شيم النفوس فإن تجد.. ذا عفةٍ فلعلةٍ لا يظلم»، فالمال، والمال وحده هو الذي يتحكّم في هذه اللعبة، وهذا ما يدفع الكثيرين في السوشيال ميديا للتخلي عن مشاعرهم، ومحاولة تسويق ما يصادفهم من الأحداث دون أي إحساس بتأنيب الضمير جهة استثمار الوقت في التصوير والبث على حساب شيمة المساعدة. الجميع أصبح يتحرك بدافع البحث عن المال، حتى دور النشر. ذات يوم كانت هنالك دور نشر ترفض أن تطبع أي عمل لا يحتوي على قيمة فكرية أو ثقافية أو علمية أو أدبية. كان يكفي القارئ النخبوي اسم دار النشر ليقرر شراء هذا الكتاب أو ذاك، لأنه يدرك أنها لن تغامر باسمها بين القراء في نشر عمل رديء، الآن الوضع مختلف تماما، حتى تلك الدور الوقورة تنازلتْ عن وقارها، وأصبحتْ تطبع أعمالا تافهة لمجرد أن أصحابها قادرون على الدفع. ولم يعد لاسم الدار وعراقتها أي قيمة تذكر لتحديد قيمة ما تنشره، بمعنى أنها وهي منارات العلم والوعي والثقافة، تنازلتْ هي الأخرى للأسف عن رسالتها، ودخلتْ حفلة صناعة التفاهة مقابل جني الأموال. لقد شعرتُ بالحزن وأنا أتصفح إحدى الروايات لكاتب مغمور، والتي اشتريتها فقط بتحريض اسم الناشر الذي كان محترمًا، حينما اكتشفتُ أنها ليست أكثر من لعبة «مفاضحة» تعتمد على توظيف المعادل الجنسي بلا ضوابط، وبشكل مقرف وممجوج، بعيدا عن كل تقنيات هذا الفن، مما يؤكد حقيقة انخراطها في لعبة جمع المال على حساب الرسالة وعلى حساب المحتوى.