العنوان بالطبع منحول بتصرف من رواية للبرتغالي أفونسو كروش بعنوان «هيا نشترِ شاعرا»، وفيها رمزية عالية تتضمن احتجاجاً ساخراً من المجتمعات الغارقة في الماديات والشكليات البراقة وجدوى العِلم والفن والجمال. اخترت هذا العنوان بعد أن كنت مطلع الأسبوع الماضي في دولة مجاورة تشبهنا كثيرا، وجمعني بزملاء المهنة رجل دولة مفضال يهتم لأداء الإعلام المؤسسي الحكومي على وجه الخصوص، فتجاذبنا الحديث العفوي الصريح وكانت ليلة ليلاء كما يقول القصيبي غازي (رحمه الله). ابتدر الحديث مضيفي فقال: في بلادنا يسود هذه الأيام ابتكار أن يتولى منصب مدير الاتصال المؤسسي للمنشأة شخصية براقة، فهو إما مذيع شهير أو كاتب عمود أو ضيف دائم لبرامج التوك شو أو مشهور في وسائل التواصل أو حتى وجه حسن من الجنس الناعم، فتكون المنشأة بذلك التعيين واجهة مضيئة وربما ممتلئة ظاهرياً، ولكن فاعلية الاتصال المؤسسي في حقيقتها غائبة كئيبة. يضيف مضيفي: إنني بصدد تبني طرح مشروع أسميته (الرخصة المهنية للاتصال المؤسسي)، وستحتوي أبجديات هذه الرخصة على اختبار لغة عربية صارم إملاءً ونحواً وصرفاً، وأسئلة عن أخلاقيات المهنة ونظريات الاتصال وأساليب الصياغة الرقمية الحديثة، ومختلف تدويناتها، واختبار الإخراج لتقرير إخباري، وتنفيذ حملة إعلامية افتراضية، وإدارة أزمة إعلامية بأكثر من سيناريو. أجبته مؤيداً وقد بلغ بي الحماس مبلغه: زد على ذلك أموراً مهمة منها على سبيل المثال لا الحصر، طلب السجل الأكاديمي للمتقدم لهذه الوظيفة، وفحصه جيدا، واشتراط درجة لا تقل عن 80٪ في اختبار القدرات والقياس أو ما يماثلهما في بلادكم، بالإضافة إلى مقابلة شخصية نوعية في إستراتيجيات الإقناع وأخرى في الثقافة العامة. اتفقنا أنا ومضيفي على خطورة وأهمية هذه الوظيفة، وأنها لم تلقَ الاهتمام الكافي والعناية الفائقة بإنسان هذه الوظيفة، وكذلك جاء في رواية البرتغالي كروش، وإن بطريقة أخرى، حيث يرى الناس أن الثقافة مصدر تهديد، ولذلك حُرقت مكتبة الاسكندرية أكثر من مرة، ودُمرت بغداد عاصمة العلماء والعلم وألقيت كتبها في نهر دجلة. كانت بالفعل ليلة ماتعة، وعندما عدت لغرفتي وكنت أهم بأن أحزم حقائب العودة للمغادرة في صبيحة اليوم التالي، وإذا بالهاتف يرن، وإذا هو موظف الاستقبال الذي أشار إلي بلطف مذكراً إياي أن اليوم هو عيد ميلادي بحسب الجواز لديهم، وأن لديهم كيكة صغيرة عبارة عن احتفالية بسيطة بي. لقد ذُهلت حقا بهذه المبادرة النبيلة والذكية من إدارة التسويق بالفندق، والتي عمّقت في داخلي ولاءً لا نظير له، فأخذت ألتقط صور الهدية الجميلة بحبور وبهجة شديدين، ثم بعثت لصديقي برسالة على الواتساب مذيلة بعدة صور قلت له فيها: يا صديقي أعرف أنك بعلاقاتك الاجتماعية تستطيع معرفة المستثمر صاحب هذا الفندق، وإنني أحمّلك أمانة أن تقول له إن فعل الاتصال المؤسسي لديكم حاذق ماهر خلاق. إننا المنهمكون في هذا العلم، الممارسون له، نصفق إعجاباً للذكاء الاجتماعي لأبناء مهنتنا، فالاتصال المؤسسي ذكاء أولاً وأخيراً، وهو منظومة متكاملة تشمل مزيج الاتصال الداخلي والخارجي أو العلاقات العامة والإعلام والتسويق، وهو أيضاً إنسان متمكن يقود المنظومة، وليس شخصية براقة نشتريها فحسب، على رأي صديقي البرتغالي البعيد.