لا تبتكر الشخصيات الروائية لتموت، وإنما لتعيش في ذهن ووجدان القارئ، وربما لتلهم المزيد من الشخصيات الأخرى، لكنها بالتأكيد لا تنجح جميعها في ذلك، فليس كل شخصية روائية هي (زوربا) على سبيل المثال، فهناك شخصية لا تبلغ نطاقا أكبر من حجم الرواية، بينما تمتد أخرى وقد تقفز من روايتها الأصلية لتعيش أيضا في روايات أخرى. يقول الروائي والناقد الإيطالي أمبرتو إيكو ضمن مقالة له بعنوان «فن اختراع الأسطورة»، يتحدث فيها عن هذا الموضوع، ويستشهد بشخصيات الروائي الفرنسي الكسندر دوما، فيقول:»تمكن في بعض أعماله من ابتكار شخصيات يمكن وصفها بأنها «أسطورية»، والتي سكنت مخيلة الجميع، وتم نسخها وإعادة روايتها كما يحدث مع تلك الشخصيات الأسطورية وأبطال القصص الخرافية»؛ وإذا ما تأملنا الكثير من الشخصيات في أدبياتنا وأمثالنا وخيالاتنا نجدها شخصيات متخيلة أصلا، لكنها عاشت طويلا. مع هذا النوع من الشخصيات عاش إلياس بونفين بطل رواية الروائي البرتغالي أفونسو كروش «الكتب التي التهمت والدي» الصادرة عن دار مسكيلياني التونسية عام 2018م، بترجمة سعيد بن عبدالواحد، والذي خرج يفتش عن أبيه، الذي اختفى من هذا العالم بين ثنايا الكتب، عبر إدوارد بريدنيك بطل رواية «جزيرة الدكتور مورو»، وراسكولينكوف بطل رواية «الجريمة والعقاب»، والدكتور جيكل ومستر هايد، وغيرهم من الشخصيات المتخيلة. فيعيد الروائي أفونسو كروش من خلال هذه الروايات القصيرة بعد رواية «هيا نشتر شاعرا» وهذه الرواية وروايته الأخرى «الرسام تحت المجلى»، التأكيد على حضور الأدب والفن وتأثيره العميق في حياة الإنسان، ويتجلى ذلك بوضوح في آخر مقطع من هذه الرواية حيث يقول:»عمري الآن 72 عاما.. أنظر إلى أبنائي وإلى أحفادي وأفكر أي حكايات سيخوضون غمارها، وما الذي سيكون بإمكانهم أن يحكوه في يوم من الأيام. لأن الإنسان مشكّل من تلك الحكايات، وليس من الجينات والعضلات والعظام. Your browser does not support the video tag.