يوما بعد يوم تستفحل الأزمة في أفغانستان التي تشي تطورات الأحداث التي تشهدها بأن سلطاتها الأمنية والسياسية فوجئت بالانسحاب الأمريكي المتسارع وبتغيير مواعيده وجدولته، إذ إن الرحيل الذي كان مقررا إتمامه في الحادي عشر من شهر سبتمبر القادم تم من دون تنسيق مع حكومة الرئيس أشرف غني.انسحاب القوات الأمريكية وقوات الناتو المتعجل وضع أفغانستان الرسمية أمام مأزق كبير، إذ إنها وجدت نفسها بين مطرقة ملء الفراغ الذي خلفته القوات الدولية وسندان ضغوط «طالبان» وانقلابها على كل التفاهمات السياسية، إذ شرعت الحركة في انتهاج سياسة الأرض المحروقة وشن الهجمات المباغتة والمكثفة للسيطرة على مزيد من الولايات والمقاطعات الأفغانية، توطئة لدخول كابول والهيمنة على مقاليد السلطة والحكم. وهنا يثور التساؤل: هل سيترك المجتمع الدولي أفغانستان مجددا فريسة لطالبان؟ تبدو كل المؤشرات باتجاه أن أفغانستان مقبلة على أزمة كبيرة وخطيرة جداً قد تتطور إلى حرب أهلية دموية ما بين طالبان والقوة الأفغانية الأخرى المعارضة لها جراء عملية انسحاب القوات الأجنبية. وعندما تعلن الحركة سيطرتها على معبر حدودي مهم بين أفغانستان وباكستان وهي بلدة فيش في ولاية قندهار حيث أصبح الطريق الذي يربط جمارك شامان وسبين بولداك وقندهار تحت سيطرتها، فإن هذا التطور يدق ناقوس الخطر داخل أروقة المؤسسة العسكرية والسياسية الباكستانية على غرار ما حدث عندما سيطرت الحركة على إحدى المناطق الحدودية الصينية. وتمكنت طالبان من بسط نفوذها على عدة أقاليم ريفية ومعابر حدودية مهمة مع إيران وتركمانستان وطاجيكستان. ولم يعد الجيش الأفغاني يسيطر سوى على المدن الكبرى وأبرز محاور الطرقات. وأخيرا سقطت عدة مناطق في ولاية مجاورة لكابول في أيدي «طالبان»، ما أثار مخاوف من أن تهاجم قريبا العاصمة أو مطارها، الذي يشكل طريق الخروج الوحيد للرعايا الأجانب من المدينة. بعد مغادرة آخر جندي أمريكي أفغانستان في سبتمبر، ستجد الهند وباكستان أيضا نفسيهما أمام بعض الخيارات الصعبة والبغيضة للغاية في التعامل مع الوضع الذي سينتج بعد الانسحاب. في عام 2001 انهارت قبضة حركة طالبان على أفغانستان بعد إطاحة واشنطن بالحركة ووُضع دستور جديد للبلاد وجرت انتخابات رئاسية ديموقراطية، لكن «طالبان» شنت حرباً طويلة الأمد واستعادت قوتها تدريجياً وجرت معها مزيدا من القوات الأمريكية وقوات الناتو إلى النزاع. ويظل الأمل في إنهاء الكابوس الأفغاني الذي دام عقودا مرهونا بتسوية تفاوضية تشمل جميع أطياف الشعب الأفغاني عرقيا، لأن «الحرب الأبدية» ستفاقم بؤس الشعب الأفغاني المغلوب على أمره الذي دفع ويدفع ضريبة مكلفة للصراع في أشلاء الدولة التي لم تلتئم بعد. ومع سحب الولاياتالمتحدة آخر قواتها، تستعيد هذه الحركة العديد من المناطق وتعيد فرض شكل صارم للشريعة الإسلامية. عادت حركة طالبان لتتصدر المشهد الأفغاني الذي لم تغب عنه منذ الغزو الذي قادته أمريكالأفغانستان قبل 20 عاما للإطاحة بها، وأصبحت الحركة الرقم الصعب في المعادلة الأفغانية المعقدة هذه الأيام التي تسرع فيها القوات الأمريكية الخطوات لإتمام انسحابها، بينما تتعجل «طالبان» لتحقيق حلمها باستعادة سيطرتها على البلاد. أفغانستان اليوم.. بين مطرقة ملء الفراغ وسندان ضغوط «طالبان».. أفغانستان.. الحرب الأبدية.. «العمائم البيضاء» يتقدمون.