لعبت المملكة دورا محوريا منذ اللحظة الأولى لاقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي المسجد الأقصى نهاية شهر رمضان المبارك، وقيام قوات الاحتلال بشن العدوان الهمجي على قطاع غزة حتى الوصول إلى وقف إطلاق النار أمس الأول بين حركة حماس وقوات الاحتلال الإسرائيلي، من خلال الحراك الدبلوماسي الذي قادته سواء على مستوى دول الخليج أو الجامعة العربية أوعبر منظمة التعاون الإسلامي؛ حيث استضافت المملكة اجتماعا افتراضيا حاسما لوزراء خارجية الدول الإسلامية والذي أرسل رسالة موحدة حازمة لإسرائيل والمجتمع بضرورة وقف العدوان على الشعب الفلسطيني، فضلا عن حراكها المكثف في الاممالمتحدة؛ حيث ألقى سمو وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان كلمة المملكة من خلال المشاركة الحضورية في أعمال جلسة الأممالمتحدة المتعلقة ببحث الأوضاع في الأراضي الفلسطينية في نيويورك، مرسلا رسالة مباشرة للقوى الكبرى مفادها أن الأحداث الأخيرة المتصاعدة والاعتداءات المستمرة على حقوق الشعب الفلسطيني تعتبر انتهاكات خطيرة للقانون الدولي وميثاق الأممالمتحدة الذي يقر بعدم الاستيلاء على الأرض بالقوة ويحرم كل ما من شأنه أن يهدد السلم والأمن الدوليين والاستقرار في العالم، علاوة على تقويض فرص السلام في المنطقة والعالم، وكذلك تقليص فرص حل الدولتين وتعزيز العنف والتطرف، ونسف كل الجهود الدولية الرامية إلى تحقيق الأمن والأمان والاستقرار في المنطقة. واستمرت المملكة في بذل الجهود الحثيثة والهادئة مع الدول الكبرى والدول العربية والخليجية حتى تم الوصول لإعلان وقف إطلاق النار في غزة الذي رحبت به المملكة. وجاء الاتصال الهاتفي الذي أجراه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أمس، بالرئيس الفلسطيني محمود عباس لتأكيد وقوف المملكة مع الشعب الفلسطيني وإدانتها وشجبها للاعتداءات والإجراءات الإسرائيلية في القدس، والعدوان الإسرائيلي على غزة، وما أسفر عنه من سقوط للضحايا الأبرياء والجرحى. ويتجسد موقف المملكة من خلال رئاستها لقمة منظمة التعاون الإسلامي التي تم تأسيسها بعد إحراق المسجد الأقصى في عام 1969م، وتمثل أكثر من 25% من أعضاء منظمة الأممالمتحدة واستمرار رفضها وإدانتها للاستعمار الإسرائيلي المتواصل للأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدسالشرقية، وإنشاء منظومة فصل عنصري فيها، وتحديداً من خلال بناء المستعمرات وتدمير ممتلكات الفلسطينيين وبناء جدار التوسع ومصادرة الأراضي والمنازل والممتلكات، وإخلاء الفلسطينيين وتهجيرهم قسراً من منازلهم وأرضهم. لقد وضع سمو وزير خارجية المملكة في نيويورك العالم أمام مسؤولياته، من تسارع وتيرة سياسة الاستعمار الإسرائيلية للأرض الفلسطينية وتحديداً التهديد بإجلاء مئات من العائلات الفلسطينية من منازلها في القدسالشرقيةالمحتلة بالقوة، بما في ذلك عائلات في حيي الشيخ جراح وسلوان، اللذان يواجهان إخلاءً وشيكاً من قبل مجموعات المستعمرين المتطرفين بدعم ومساندة من سلطات الاحتلال الإسرائيلية بالتعاون مع المحاكم العنصرية. لقد حذرت المملكة على الدوام من أن العنف لا يجلب إلا العنف، ودوامة العنف لا تجلب إلا الخراب، والدمار، وتأجيج إستراتيجية الصراع، وأن استهداف المدنيين، وكل ممارسات أحادية واستفزازية، وكل إذكاء للكراهية والتطرف والعنف من أية جهة كانت لا يجلب سوى الدمار. وكان سمو وزير الخارجية واضحا عندما أكد على ضرورة عدم تشتيت الانتباه والأنظار عن الهدف الأسمى، المتمثل بتحقيق السلام العادل والدائم وفقاً لحل الدولتين والشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية ووقف إراقة الدماء ودوامة العنف، التي لن تحقق الأمن ولا تفضي إلا إلى المزيد من مشاعر اليأس والإحباط والكراهية، في سبيل استعادة الأمل وتصويب الهدف نحو مستقبل آمن. إن حراك المملكة التي قادته خلال الأسابيع الماضية جاء من منطلق مسؤولياتها التاريخية لوقف التصعيد الإسرائيلي الخطير في القدس والأراضي الفلسطينية من خلال التأكيد على أن السعودية كانت ولا تزال وستظل داعمة لقضية القدس وفلسطين؛ كون هذه القضية من أولويات وأسس السياسة السعودية الخارجية للعالم، وهذا الدعم الأبدي نابع من قناعة راسخة وإيمان عميق بأن قضية القدس وفلسطين هما قضية المسلمين الأولى، إلى جانب أن السلام في الشرق الأوسط هو الخيار الإستراتيجي المبني على مبادرة السلام العربية لحل شامل وعادل للصراع العربي الإسرائيلي وحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة وفي مقدمتها قيام دولته المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية، فضلا عن رفض المملكة القاطع واستنكارها الشديد بشدة حيال ما صدر من خطط أو إجراءات إسرائيلية استفزازية تستهدف إخلاء المنازل الفلسطينية في القدسالشرقية بالقوة، وفرض السيادة عليها، وجميع الأعمال العسكرية التي أوقعت ضحايا مدنيين بمن فيهم النساء والأطفال الأبرياء. لقد استشعرت المملكة سريعا التصاعد الخطير في الأراضي الفلسطينية بسبب انتهاكات إسرائيل الصارخة حرمة المقدسات الإسلامية والاعتداء على المصلين والمدنيين الفلسطينيين في المسجد الأقصى، وتعاملت وفق ما تقتضيه مصلحة الشعب الفلسطيني بلا مزايدة أو متاجرة، وبدون منّة؛ كونها دولة مؤسسات تعرف واجباتها وحقوقها حيال قضية المسلمين الأولى وهما قضية القدس وفلسطين والتي ضربت إسرائيل بكل القرارات الدولية والمواثيق ومبادئ القانون الدولي الإنساني عرض الحائط، هذه القرارات التي كفلت حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية لكافة أتباع الأديان إلى جانب التأكيد على أن استيلاء سلطات الاحتلال بالقوة على منازل وأراضي المواطنين المقدسيين يمثل شكلاً من أشكال التهجير القسري الذي ترفضه وتدينه بشدة القوانين الدولية كافة.. لقد تعاملت المملكة مع القضية الفلسطينية وفق مؤسسات الدولة والقانون والمرجعيات الدولية، وتحركت عبر منظمة التعاون الإسلامي وهو المرجعية لأي تحرك إسلامي كون المنظمة أسست لخدمة القدس الشريف والقضية الفلسطينية باعتبارهما الركيزة الأساسية لمهامها. والتأكيد على مواقف المملكة الثابتة والمؤيدة للحقوق الشرعية الفلسطينية غير القابلة للتصرف، وأن القدسالشرقية أرض فلسطينية لا يجوز المساس بها، وضرورة المحافظة على القدس الشريف ودماء الأبرياء كونها مسؤولية جماعية، والعمل على إحياء المفاوضات المبنية على التمسك بالسلام على أساس حل الدولتين وفقاً للمرجعيات الدولية ومبادرة السلام العربية. لقد أثبتت المملكة على الدوام ثبات مواقفها تجاه قضية المسلمين الأولى وهي القضية الفلسطينية التي تعتبر جوهر الصراع العربي الإسرائيلي، مؤكدة أنه لن يكون هناك سلام عادل وشامل إلا بإنشاء الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدسالشرقية. لقد عززت إسرائيل التطرف.. والعنف لا يجلب إلا الخراب وتأجيح الصراع.. القدس وفلسطين .. كانت وستظل في قلب سلمان.. حراك دبلوماسي سعودي.. هادف بعيدا عن المتاجرة.