لا لتحول عالم الاجتماع إلى معلم أو موظف الرقابة على الكتب لم تعد من الأفكار المناسبة لا لحصر مفهوم النسوية في تعريفات شعبية الثقافة سلوك الإنسان في حياته اليومية التاريخ.. روح المجتمع وصانع الهوية مرت القبيلة في السعودية بثلاث مراحل أغلب الشيلات موجهة لمصالح خاصة وعي المجتمع في جائحة كورونا منقوص لم تمنعه طبيعة عمله ومسؤوليته كأستاذ مساعد بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية من أن يكون مؤرخاً وباحثاً اجتماعياً متمكناً، إذ يتركز شغف الدكتور عبدالرحمن الشقير في رصد التحولات الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع السعودي، إضافة لاهتمامه بالتاريخ الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للمملكة والخليج. الشقير الحاصل على الدكتوراه من جامعة الملك سعود «في علم اجتماع المعرفة»، يرى أن تصريحات الأمير محمد بن سلمان تعكس عمقه المعرفي التاريخي. عمل مديراً لمركز النشر بوزارة التعليم العالي، كما عمل باحثاً في التاريخ في دارة الملك عبدالعزيز، وسبق له أن كان مستشاراً بالمركز الوطني للدراسات والبحوث الاجتماعية. صدر له أكثر من 10 مؤلفات بفرعي التاريخ والاجتماع، مثل: النخب النسائية الإسلامية في السعودية، مشاكلة الناس لزمانهم وما يغلب عليهم في كل عصر، رأس المال الثقافي، وغيرها من المؤلفات. يؤمن الشقير بأن التاريخ هو روح المجتمع وصانع الهوية وأحد أهم أدوات فهم الحاضر واستشراف المستقبل.. وإلى نص الحوار: • لنبدأ بسؤال حول عالم الاجتماع، ما هي مسؤولية عالم الاجتماع اليوم، خصوصاً في ظل التحول الذي تعيشه المملكة؟ •• مسألة حرفة عالم الاجتماع من المسائل المطروحة، وتتأكد هذه المسألة بعد تحول عالم الاجتماع من باحث ومفكر إلى معلم وموظف بجامعة. وتكمن خطورة هذا التوجه في المسافة الكبيرة بين ما هو متوقع من الأستاذ الجامعي، المتمثل في التدريس والبحث وخدمة المجتمع بإنتاج المعرفة بوسائل متعددة، وواقعه المكتفي بمهمات التدريس وأعباء إدارية. وقد نشرت ورقة بحثية عن حرفة علم الاجتماع وممارسته، وتوصلت من خلال الاطلاع على دراسات من سبقني لبحث الظاهرة وإلى مشاهداتي لواقع علم الاجتماع العربي، إلى وجود 4 نماذج هي: الباحث الاجتماعي صاحب الحرفة (المتخصص المحترف) الذي يبحث للإثراء المعرفي، والباحث الاجتماعي المقاول الذي يبحث بالتكليف، والواعظ الاجتماعي الذي يتحول إلى شعبوي ويتحدث بما يرغب الجمهور في سماعه، وموظف علم الاجتماع، وهو الأستاذ الجامعي الذي لا يتعدى تخصصه حدود الفصل الدراسي. أما عن حدود مسؤوليات عالم الاجتماع وأجيال علم الاجتماع من طلاب الدراسات العليا والمعنيين، فإن دورهم ينبغي أن يركز على إعطاء مزيد من الاهتمام لرصد التحولات الكبيرة والسريعة في جميع المجالات، وذلك لأن رصد الظاهرة في حينها يعني رصد المزاج العام المصاحب لها، والتعرف على روح العصر، بعكس رصدها بعد حين، والذي لن يجني إلا رصد الحدث، وسيتيح له هذا الرصد الآني بيئة خصبة للتنظير العلمي والتحليل العميق. • ما رأيك بدور المتخصصين في علم الاجتماع بالمملكة؟ هل حقاً نملك مرجعا علميا اجتماعيا للظواهر الاجتماعية التي نعايشها؟ •• دور المتخصصين الاجتماعيين في المملكة والخليج أو العالم العربي لا يزال محدوداً، ولم يبرز بجهود عربية إلا علماء قلة، وللأسف تركزت منتجات كثير منهم على أبحاث الترقية وعلى تأليف مقررات جامعية، مما ساهم في صناعة مخرجات ضعيفة، وذلك بسبب حجب الطلاب والطالبات عن نظريات العلم الحديثة وعن تزويدهم بأدوات تتيح لهم متابعة الجديد في علم الاجتماع في العالم. وبسبب ذلك انتشر علم الاجتماع الأمريكي والأوروبي في المشرق العربي، وانتشر علم الاجتماع الفرنسي في المغرب العربي، وبقي علم الاجتماع الآسيوي والأفريقي والأمريكي الجنوبي محدود الانتشار، إلا بحدود ما يترجم منه للغة الإنجليزية، علماً أنه يتضمن نظريات ودراسات ملائمة للبيئة العربية التي تتشارك معهم في الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية بشكل متقارب. وقد اهتم رئيس الجمعية الدولية لعلم الاجتماع السابق الأمريكي مايكل بارووي بلفت الانتباه لجهود علماء الاجتماع في العالم ما عدا أمريكا وأوروبا، وركز على ذلك في نشرة «حوار كوني» التي تصدرها الجمعية، وواصلت الرئيسة التالية مارغريت إبراهام وبعدها ساري حنفي على النهج نفسه، وأسدت لنا الجمعية بذلك خدمة كبيرة لم نلتقطها حتى الآن. أما ما يخص امتلاكنا لمرجع علمي اجتماعي للظواهر الاجتماعية، فهذا يخضع لكمية وجود مراصد اجتماعية واقتصادية وأمنية، ولا أظن أنها موجودة. وأتقدم بمقترح لجميع الوزارات والمؤسسات والهيئات المعنية بالمجتمع لإنشاء وحدات ومراصد متخصصة في رصد الظواهر والتغيرات في حينها وتأسيس سجلات للظواهر السابقة، وأتمنى انتشار فكرة المراصد المتنوعة، لأنها توجد بيئة عمل صحية، وتسهم في صناعة اتخاذ القرار، وهي مؤشر على الوعي الإداري. • ما رأيك بعمل الجمعية السعودية للدراسات الاجتماعية؟ •• توجد في السعودية جمعيتان؛ الأولى: «الجمعية السعودية للدراسات الاجتماعية»، تأسست بجامعة الإمام عام 1405ه/ 1985، والثانية «الجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية» تأسست عام 1421ه/ 2001، ومقرها جامعة الملك سعود، ونلحظ أخيراً نشاطاً علمياً جيداً، وهذا مؤشر صحي. ولكن يلحظ أن أكثر الأنشطة تتم بجهود فردية، بحسب المسؤول، وليست مؤسسية، بينما نجد أن المعمول به في الجمعية التاريخية والجمعية الجغرافية مثلاً، نشاطاً مؤسسياً ومجدولاً لسنوات في مجالات النشر والندوات والزيارات العلمية. والمأمول من الجمعيات العلمية أن تكون أكثر عمقاً من الأقسام الجامعية، بوصفها البيئة الحاضنة للعلماء والمتخصصين، وعدم وجود ما يشغلهم من أعباء إدارية وطلابية ولجان، وبالتالي يتوقع منها الإسهام بفهم التحولات الاجتماعية وتقديم دراسات معمقة ونظريات جديدة. • إلى أي مدى نحن على اتصال نشيط مع الحركة الاجتماعية حول العالم؟ •• فيما يظهر لي حسب متابعتي البسيطة أن المجتمع السعودي لا يزال مادة للدراسة من قبل الجامعات ومراكز الأبحاث والصحافة الغربية. ولم يصدر حتى الآن باحثين يدرسون المجتمعات الأخرى، وهذا طبيعي، وذلك لأهمية السعودية كمجتمع ودولة ومكان ومكانة، وتتجدد هذه المكانة والأهمية في كل حقبة زمنية. ويوجد لدى هذه المراكز والباحثين الغربيين موضوعات خصبة لدراستها مثل: قضايا المرأة المتجددة، والصحوة الدينية، واهتمامات الشباب، وقضايا التطرف الديني والإرهاب الذي تعرضت له المملكة، والهوية، والأعراق المجاورة للحرمين. كما درسوا بكثافة ظاهرة الدعوة السلفية وعلماء نجد من منظور إستراتيجي يتمثل في التعرف على انعكاس تعاليمهم وأفكارهم على تشكيل واقعنا، وتأثيره على العالم الإسلامي. الباحث الاجتماعي السعودي لديه مجالات كثيرة لدراسة الآخر وانعكاسات العلاقات الدولية على المملكة، ومع ذلك نجد أننا أمام قضايا ومسائل في غاية الأهمية، ولا تزال تعالج إعلامياً بأساليب عاطفية، وأتمنى لو تركزت الدراسات والأبحاث والأوراق السياسية حول موضوعات قديمة جديدة، ولدي أوراق سياسات بعضها تحت النشر وبعضها تحت الإعداد في موضوعات أراها ذات أهمية خاصة، مثل: تحالف الدول المطلة على البحر الأحمر، وقضية الاتجار بالبشر، والجاليات التي جاءت مجاورة للحرمين الشريفين ثم انتشرت في أنحاء المملكة ووصلت إقامتها إلى الجيل الخامس، وظاهرة الفتيات المصنفات هاربات وهن يصنفن أنفسهن مغادرات برغبتهن، ومصير أبناء السعوديين الذين تزوجوا من غير سعوديات أثناء مشاركتهم في الجهاد في أفغانستان والبوسنة والشيشان والعراق وغيرها. • تعرض نتاجك، لأكثر من مرة، للمنع من الرقابة الإعلامية، كيف تلقيت خبر منع كتابك الأخير «الأديان والجماعات الدينية في نجد»؟ •• فكرة الرقابة على الكتب لم تعد من الأفكار المناسبة الآن في ظل توجه الدولة للانفتاح العالمي، وانحسار الكتاب الورقي لصالح الكتاب الإلكتروني وتنوع أوعية نشر المعلومات، وهذا يعني بالضرورة تدفق الأفكار من خلال التواصل المكثف والفردي مع العالم. كما أن سياسات الدولة تتبع الرقابة البعدية وليس القبلية، بمعنى أن كل إنسان مسؤول أمام القانون عما نشره، وليس عما سينشره. أما كتابي الأخير فهو يبحث في مسألة دعوى الشرك في منطقة نجد قبل ظهور الدعوة السلفية، وتوصل البحث إلى أن الشرك المشار إليه في مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب ورسائله وعلماء نجد إنما يقصد به الاستغاثة بغير الله تعالى، وهذا تصنيفه عند علماء الدعوة شرك أكبر، بينما صنفه علماء نجد الآخرون بأنه شرك أصغر. وهو موجود في مناطق محدودة وليس منتشراً. وأبلغني الناشر بالمنع بسبب وجود كلمة وهابية داخل الكتاب، وأرسلت له مطبوعات سعودية ومن جهات رسمية تحمل اسم الوهابية في العنوان، مما يؤكد أنه منع باجتهاد فردي من موظف. • أنت مع فكرة أن مفهوم النسوية يعتبر من المفاهيم الجديدة على المجتمع السعودي ولم ينل حقه منذ دخوله، كيف يقرأ المجتمع السعودي مفهوم النسوية؟ •• مفهوم النسوية من أهم المفاهيم في العلوم الاجتماعية وأكثرها شهرة، وله تعريفات صادرة من علماء ومفكرين ومنظمات دولية، وهو في الأساس حركة سياسية مناهضة للعنف والإقصاء ضد المرأة، ثم تحول إلى نظرية. مع العلم أن للنسوية عشرات أو مئات الأقسام، فمن يطالب بضرورة التزام المرأة بتعاليم الدين، فهو بالضرورة يمارس النسوية الإسلامية، ومن يطالب بعدم تمييز النساء السود عن البيض فهو نسوية سوداء، وهكذا. وما نراه في المجتمع السعودي يكاد يحصر مفهوم النسوية في تعريفات شعبية ناتجة عن اطلاع محدود وليس لها أساس علمي. نشأت في المجتمع في الحقبة التاريخية الماضية مطالبات كثيرة عن قيادة المرأة للسيارة وعن حقها في الولاية وغيره، وكان من يطالب بهذا يصنف من الليبرالية والعلمانية ويتعرض للإقصاء الشعبي بقسوة، وبعد أن تدخلت الدولة وأقرت جميع المطالبات بل وأكثر منها، انقلب كثير من المعارضين إلى مؤيدين. وهذا المشهد مكشوف للجميع ولا يحتاج إلى باحث لكي يتوصل إليه، وكان له نتائج اجتماعية خطيرة تمس قيم المكانة والثقة. أما ما يخص النسوية السعودية فهي قديمة، إلا أن منصات التواصل أفرزت جيلا جديدا وعنيفا في المطالبة بالحقوق وبأشكال غير مألوفة، وبعضها صادم للمجتمع، ومعروف أن الأساليب العنيفة والتصادمية تكون مؤقتة، إلا أنه من المؤكد أنها أحدثت حراكاً قوياً وأثرت على نسويات بعض المجتمعات العربية، ومصدر قوة النسوية السعودية مستمد بشكل غير مباشر من قوة مكانة المملكة وأهميتها وسيطرة السعوديين على أكثر منصات التواصل ووسائل الإعلام العربية. • تؤمن بضرورة إضفاء المعنى أو الطابع الفلسفي لمفهوم التراث، ماذا يعني هذا؟ •• إضفاء الطابع الفلسفي أو منح المعنى للأشياء، دليل وعي اجتماعي ونضج فكري. وهذا لا يتحقق إلا بنشر أهمية الفكرة والتركيز على العائد الاجتماعي منها لصالح الهوية الوطنية والهويات الفرعية والثقافات المنتشرة في المجتمع. وذلك لأن الأشياء والأشخاص والجماعات والأفكار والقيم، إنما تكتسب القيمة الاجتماعية والاقتصادية من المعنى الذي ارتبط بها شعبياً، ومنح المعنى يتكون من تكثيف التركيز بالكتابة وأساليب النشر عن ربط قيم اجتماعية بالأشياء، ومن هنا تكمن أهمية إضفاء المعنى في إدارة السمعة ورسم الصورة الذهنية للواقع أو للتاريخ. إن وجود شخصيات سياسية وعلمية وأدبية تاريخية كتب حولها عشرات المؤلفات لتخليد ذكرها، يعد شكلا من أشكال منح المعنى للقيم التي تحمله هذه الشخصيات، وفي المقابل يوجد مئات الشخصيات التاريخية المهمة لم تمنح المعنى، ومثال على ذلك يمكن مقارنة كتب تراجم وسير الأدباء وعلماء الدين بكتب تراجم وسير الأطباء والمهندسين العرب، سنجد منح المعنى للأول ونزع المعنى من الثاني، مما يعطي مؤشراً باهتمام العرب منذ القدم بالعلوم الأدبية والشرعية. وهذه السمة التقطتها الأنثربولوجيا الأوروبية منذ أكثر من قرن، وأعادت استخدامها في الاستعمار للبلدان العربية، ثم إنهاك الشعوب بالمفاوضات، ومنحها مساحة واسعة من الحجج الخطابية وإثبات الحقائق التاريخية، بوصفها الملعب الذي تتقنه الذهنية العربية. • هل التاريخ فعلاً يعتبر أحد صناع الحاضر؟ •• التاريخ هو روح المجتمع وصانع الهوية وإحدى أهم أدوات فهم الحاضر واستشراف المستقبل، بشرط أن نفرق بين سرد التاريخ وحفظه وفلسفة التاريخ واستطلاع الخبرات منه والتعرف على القوانين الاجتماعية والاقتصادية التي تحرك المجتمع وتغير قيمه عبر العصور. • تقول «مراجعة التاريخ المحلي جزء لا يتجزأ من تعزيز الهوية الوطنية»، هل ترى أن يكون المواطن السعودي على علم بتاريخه المحلي ؟ •• إن علم المواطن بسردية التاريخ المحلي وحده لا يكفي لتعزيز الهوية الوطنية، وتلقين التاريخ الوطني وحفظه لا يصنع هوية اجتماعية. التاريخ هو سياق اجتماعي ومنظومة قيم، تتحرك بأحداث التاريخ، وبالتالي فإن أحداث التاريخ وشخصياته ووثائقه، إنما هي مادة خام للدراسة وليست هي نهاية القصة، كما هو معمول به. ولهذا نحن بحاجة إلى دراسة التاريخ من خلال زوايا جديدة وباستخدام منهجيات جديدة، وفق انعكاساته على واقعنا وقدرة الأحداث على تشكيل وعينا بالأشياء، ومن ثم سنفهم التحولات الاجتماعية والاقتصادية والدينية، وهذا هو جوهر المشروع الذي أركز جهودي الأخيرة عليه وأسعى لنشرها في مقالات محكمة وكتب علمية. • إستراتيجيات النجاح في الحياة تبدأ من الجامعة، هذا هو العنوان الفرعي لكتابك «رأس المال الثقافي»، لماذا الجامعة ؟ •• أقصد بنظرية رأس المال الثقافي، أن الثقافة هي سلوك الإنسان في حياته اليومية المتمثلة في تقديمه لنفسه في المجتمع من خلال الاهتمام بالأشياء الصغيرة، بطريقة تكسبه احترام الآخرين، وتتمثل في الاهتمام بآداب اللياقة وقواعد السلوك، مثل: لبسه وتفاصيل أسلوب حياته ومنطقه ومشيته وشربه وأكله ولغة جسده، ومستويات اهتماماته الأدبية والفنية والعلمية، وهي بذاتها رأس مال يمتلكه الإنسان ويستطيع أن يستثمر فيه وله عوائد كبيرة في العلاقات النوعية، مما يعزز فرصه في الحصول على وظيفة أو منصب، ونلاحظ أن الإنسان يهتم بحسن تقديم ذاته غاية الاهتمام إذا ذهب لخطبة فتاة أو تقدم لوظيفة، إن هذا الاهتمام المؤقت هو ما ندعوه رأس مال ثقافي، ونطالب بأن يكون هو أسلوب حياة دائم للأفراد. وقد حددت الجامعة بوصفها نقطة انطلاق أكثر الشباب لسوق العمل، ولأن دراستي للنظرية كانت على طلاب الجامعة، وإلا فهي تناسب الجميع. وقد يكون رأس المال الثقافي موروثاً من تاريخ الأسرة ومكانتها وعدد البارزين فيها، وقد يكون مكتسباً بالشهادات العليا والتخصص المميز، وقد يكون مجسداً في التذوق الرفيع للآداب والعلوم والفنون وامتلاك مهارات ومواهب تميز مالكها. نظرية رأس المال الثقافي تعد جزءاً من منظومة نظريات أنتجها علم الاجتماع الفرنسي الجديد، خصوصا بيير بورديو، وملخصها أن امتلاك الشخص لرأس المال الثقافي سيتحول تلقائياً إلى رأس مال اجتماعي، يتمثل في بناء سمعة حسنة، وامتلاك علاقات مميزة ونوعية يمكن لها أن تقدم خدماتها لهذا الشخص بتمكينه من المناصب أو ترشيحه لها أو التعامل معه، وبالتالي يتحول تلقائياً إلى امتلاك رأس مال اقتصادي، من خلال زيادة دخله، وهنا تكتمل دورة حياة رأس المال الرمزية. والميكانزم المحرك لرأس المال الثقافي هو الهابيتوس، الذي يتشكل في شخصية الإنسان من مصادر واعية وغير واعية، وتاريخية ومن تنشئة اجتماعية ومن تعرضه لتدفق المعلومات وتكوين الخبرات الشخصية، ومن المهم أن يكون الشخص منتبهاً لأدق تفاصيل الحياة اليومية ويطور من أسلوب تعامله معها بما يرتقي بشخصيته، فهنا يكون في حالة استثمار في شخصيته وبناء رأس ماله الثقافي. إذن؛ يتكون رأس المال الثقافي من آلاف التفاصيل الصغيرة التي يمارسها الإنسان العادي في حياته اليومية، ومن المهم أن تمارس قواعد السلوك وآدابه بطريقة طبيعية ومنغرسة في سلوك الشخص دون تكلف، وترتفع قيمة الإنسان الثقافية أو تنخفض بحجم اهتمامه بها. وبالأخير تعتبر نظرية الاستهلاك الثقافي المتمثلة في تمييز الشخص نفسه بحسن تقديم ثقافته، بديلاً لنظرية الاستهلاك المظهري القديمة، المتمثلة في تمييز الشخص نفسه بالماركات العالمية. • الجامعة لا تسمح بدراسات القبيلة؟ لماذا ترى بأنه يجب أن نخصص دراسات علمية للقبيلة؟ •• القبيلة جزء أساسي من تكوين المجتمع منذ آلاف السنين حتى الآن، وهي تحظى بدراسات عالمية وعربية دائمة، ومرت القبيلة في السعودية بثلاث مراحل، هي: الأولى: مرحلة الهوية القبلية الذاتية، وتنشأ هذه المرحلة كلما خلت المنطقة من حكومة مركزية، كما هو الحال في عصر ما قبل الإسلام وما بعده، وما بعد الدولة الأخيضرية التي انتهت في القرن الخامس الهجري. والثانية: تغييب الهوية القبلية كلما نشأ جماعة دينية نشطة واستطاعت أن تملأ الفضاء العام، مثلما حدث بعد ظهور الدعوة السلفية (الوهابية) في القرن الثاني عشر الهجري، وبعد ظهور حقبة الصحوة الدينية في عام 1979 وما بعده. والثالثة: علاقة الدولة بالقبيلة، وهي علاقة تحمل معها كثيرا من التقدير وحفظ المكانات، وتحديد الحقوق والواجبات التي يبنى بعضها على أسس تاريخية، وهذا النموذج هو السائد تقريباً في دول الخليج والأردن، وهو يختلف عن النموذج المصري والتونسي الذي ذوب القبيلة في المجتمع، وعن النموذج الليبي الذي قسم المجتمع على أسس قبلية. كما يختلف عن النموذج العراقي الذي تذبذبت فيه مكانة القبيلة بحسب الظروف السياسية خلال القرنين الأخيرين. ومن هنا يمكن تأكيد أهمية دراسة القبيلة على أسس علمية وإستراتيجية، ولا ينبغي أن يتحمل العلم تبعات تغول العوام في كتابة الأنساب حتى صار مفهوم دراسة القبيلة سيئ السمعة بسبب التعصب وغياب المنهجيات. • عملت على دراسة علمية عن الممارسات الصحية في المجتمع السعودي في ظل انتشار فايروس كورونا، ما نتائج الدراسة؟ •• نشرت الدراسة بعنوان «الأمن البيئي الصحي في ظل انتشار فايروس كورونا المستجد»، وقد بدأت بها قبل أن تعلن منظمة الصحة العالمية عن وصفها بالجائحة وكوفيد-19، وركزت الدراسة على تعريف مفهوم الأمن البيئي الصحي، بوصفه من المفاهيم الجديدة التي اهتمت بها مدرسة كوبنهاجن لدراسات الأمن والسلام. وحاولت الدراسة ربط الصحة العامة والممارسات الصحية في الحياة اليومية بمسألة الأمن البيئي. أما الجانب التطبيقي فيركز على قياس مستويات الوعي البيئي الصحي لدى أفراد المجتمع السعودي. لاحظت كما لاحظ غيري كثرة استخدام الناس للكمامات والقفازات لوقاية أنفسهم من أفراد المجتمع ووقاية المجتمع منهم، ولكنهم يلقونها في الشارع بعد استخدامها وليس في الأماكن المخصصة، وأردت دراسة الظاهرة ميدانياً على مستوى مناطق المملكة للتأكد من بعض الفرضيات. وتوصلت الدراسة إلى وجود وعي اجتماعي، ولكنه «وعي منقوص»، يتمثل في استخدام الممارسات البيئية والصحية لحماية الذات وليس لحماية المجتمع. وهذا «الوعي المنقوص» الذي يراعي قيم مصالح الذات على حساب المجتمع، يعاد إنتاجه للأسف في كثير من المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والصحية، من قبل الموظف العادي والمسؤول. ولم تهيمن ثقافة قيم العطاء والتضحية، وهذا ما نتمنى التركيز عليه وإشاعته في المجتمع. توصلت نتائج الدراسة إلى أن وزارة الصحة السعودية كانت مصدر المعلومات الأول في المجتمع، وبسبب جهودها المكثفة زادت مستويات الوعي بالممارسات السليمة فيما يخص الصحة العامة والبيئة، وأن الإناث أكثر التزاماً من الذكور بالممارسات البيئية الصحية. • هل تعتبر «الشيلات» منتجاً أخلاقياً وليس منتجاً فنياً؟ •• نعم، وصفت الشيلات في كتابي «الذاكرة الشعبية» بأنها منتج أخلاقي وليس منتجاً فنياً. ويقصد بالأخلاقي بمعنى تحكمه منظومة قيم اجتماعية واقتصادية وقبلية وذاتية، وهذه القيم فيها ما هو إيجابي وما هو سلبي. وذلك لأنها توسعت وتحولت إلى شكل من أشكال الترحيب بالضيوف والشكر على سداد ديون وأعطيات شخصية أو تطلع لأعطيات أو تهنئة بزواج ومواليد وعودة من السفر وهكذا. كما أن غالبية موضوعات الشيلات وظيفية، أي موجهة لمصالح، وليست مثل الأغاني ذات موضوعات متنوعة. تواجه الشيلات الآن أزمة عدم الاعتراف الفني بها، وعدم اعتراف النخب الاجتماعية بها، فبقيت محصورة في الجمهور الشعبي، وهذا يشبه قضية أغاني المهرجان الشعبية التي اجتاحت السوق المصرية أخيراً. • ما تطلعاتك للحركة العلمية الاجتماعية للمملكة؟ •• تطلعاتي مملوءة بالتفاؤل، وذلك لوجود مؤشرات تؤكد على توجه الدولة والشركات لصناعة القرار من خلال العلم والدراسة العلمية، وقد أكد عليها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان في كلمته في افتتاح قمة العشرين المنعقدة في الرياض. وتوجه الشركات والمؤسسات الحكومية إلى الاستعانة بالبحوث لصناعة القرار. والجميع يعرف عمق الملك سلمان وعنايته بالتاريخ، منذ أن كان في إمارة الرياض، ولا يكاد يوجد باحث في التاريخ أو كاتب مقالات لم يقابل الملك سلمان أو يتواصل معه هاتفياً، وقد كان لي شرف مقابلة الملك سلمان بعد صدور أحد كتبي التاريخية، وسمعت منه حواراً شيقاً ونصائح ثمينة. وتحمل رؤية 2030 التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مؤشرات كثيرة على أن البحث العلمي سيكون هو أساس التقدم السعودي. كما أظهرت تصريحات سموه للإعلام مدى العمق المعرفي التاريخي من خلال استدعائه لأحداث تاريخية لفهم قضايا معاصرة، وإدارته بحنكة وحكمة التغير الاجتماعي نحو تحقيق ما يخدم الوطن. • هل من أعمال جديدة تعمل عليها؟ •• لدي كتابان سيصدران قريباً، الأول عبارة عن جزء من مشروع علمي عن إعادة دراسة تاريخ منطقة نجد في العصر الوسيط، بدأته قبل أكثر من 10 سنوات، وعلى وشك الانتهاء منه، وملخصه يتضمن محاولة الكشف عن بعض المصادر المجهولة في تاريخ نجد في الخمسة قرون التي سبقت ظهور الدولة السعودية الأولى، يتضمن المشروع 4 كتب، سيصدر منها قريباً مجلدان، الأول يتضمن تحديد مؤشرات التغير في 4 مجالات هي: السياسة، والاقتصاد، والبلدان الحضرية، والقبائل البدوية، ومقارنتها بما كان الوضع عليه في المنطقة نفسها في صدر الإسلام. والثاني عبارة عن مقدمة في التاريخ، تتضمن تشخيص واقع الدراسات التاريخية، ونقد الدراسات المعتمدة على سرد النصوص والتعليق عليها، مع تقديم نماذج مثل العنف الرمزي في التاريخ والهابيتوس، واقتراح تجاوز مناهج البحث التقليدية والجديد الذي أضفته في هذه الدراسة يكمن في استخدام المنهج المقارن ومنهج تحليل الخطاب ومنهج تحليل الممارسة الاجتماعية الخطابية وما بعد الوثائقية، واستخدام المصادر المادية وغير المادية. والكتاب الثاني محاولة دراسة تاريخ مدينة الرياض من منظور اجتماعي واقتصادي، خلال قرن من الزمان، إذ تركز الدراسة على التعرف على مؤشرات التمايز والتحولات التي طرأت عليها، ثم انعكاس ذلك على العمارة والعمران من خلال تصميم المنازل والأحياء، بدءاً من نماذج من أحياء النخب في المرحلة التقليدية المتمثلة في أحياء دخنة ومنفوحة وصياح، ثم نماذج من أحياء النخب في المرحلة الانتقالية المتمثلة في أحياء عليشة وشمال المربع والعليا، ثم أحياء النخب الحديثة والاختلالات التنظيمية التي تعرضت لها، والتي جعلت التمايز يسير في سياقات مشتتة. من القضايا التي ناقشها الكتاب: ظاهرة نشأة الأحياء لخدمة الإنسان وتحولها إلى أحياء لخدمة السيارات مع تخطيط دوكسيادس، وظاهرة الأحياء الذكورية، وقضية استباحة تاريخ الأحياء العريقة، وأحياء العوالم المفتوحة في الفضاءات المغلقة (الكمباوندات).