بالقرب من الساحل البحري في ينبع الحضارات بزغ للدنيا وعاش قرناً من الزمان.. وحين فقد والده قبيل ولادته بخمسة أشهر؛ عوضته والدته وذووه غياب أبيه.. وفي أقدس بقاع الأرض «مكة»و«المدينة» أخذ علوم الدنيا بمدارس التعليم وتحضير البعثات، وشهد دروس علماء المسجد النبوي.. وبين الوظيفة والتجارة احتضنت «الرياض»و«جدة» رجلاً كادحاً كتب لذاته أجمل حقبة.. أما الصعاب فعالجها بوصفة الصبر والحيوية.. إنه المستشار خلف عاشور الذي توفي (الجمعة الماضية). من سمات ذلك الإنسان النادر؛ إذا تكلم هادئاً رزيناً بمفاتيح تاريخية، وإذا صمت تدور بعينيه نظرات دهشة كلام.. ومع البرامج الاجتماعية عاش أفراح الناس وأتراحهم، ومنحهم الطمأنينة والبِشْر.. وحين لم يغب عن «البر» أزال دمعة محتاج ومسح رأس يتيم.. وفي ذلك كله شيء من الإجلال والإكبار. وعند استعادته لكتاب الذكرى وفصول الذكريات لم يهرب من ماضيه المفرح والمؤلم.. وفي مجلسه بين أحبائه وأصدقائه يفتّش بفخرٍ عن تفاصيله القديمة بحلوها ومرها.. ومع عوض بن لادن عملٌ، وعشرةٌ، ونقاءٌ، ووفاءٌ.. ومع أبناء «المعلم» والد قريب، وموجه أمين، ومستشار حكيم.. تعلموا منه كيف يغردون وكيف يروون حكاياتهم. في امتحان الزلزلة والابتلاء والصبر والمكافأة اختطف الموت ابنه في حريق الطائرة الشهير «1980»، وتوفيت ست من بناته بحوادث متفرقة.. وحين يتذكر حالته النفسية وضعف مقاومته وعمق قسوة الأيام يعود بالذكرى لمواقف الملك فيصل المعنوية والمالية، وأوامره بعلاج حبيباته المصابات بمرض وراثي نادر في دول عدة. وحين إشرافه على توسعة المسجد النبوي استوقفته محطات ومواقف تعلَّم فيها دروساً لم تغب عن ذاكرته.. وفي تلاقح حضاري مع التاريخ جعل من الأوامر السامية نبراساً للحفاظ على العمارة القديمة بالحرم. أما عن مسقط رأس ذلك المئوي «ينبع» لم يشغله أي شاغل عن الحديث من أجلها وأهلها ومينائها.. وعند أدبيات «الأيام» ومصطلحاتها كتب ثلاثة مؤلفات رمزت لحضارتها.. ولما استعذبته «كسرة» شعرائها تمنى إجادتها.. وفي كتابه السِيَري «مررتُ من هنا» أطال الحديث عن مدينته العتيقة.