انعكست جائحة فايروس كورونا على العديد من الثقافات الاستهلاكية، بعد أن كانت تلك الثقافات جزءا أساسيا من نمط الحياة الاجتماعية، لا يمكن الاستغناء عنها في أصعب الظروف. ورغم الأضرار الجسيمة والخسائر الكبرى من الجائحة، إلا أنها تسببت في تغيير النمط الاستهلاكي المتعارف عليه سابقا إلى الأفضل، بالاعتماد على الذات في بعض الأمور التي كانت تتم بمساعدة الغير، كالحلاقة، وأكل المطاعم، والسفر، والأفراح والأعياد المبالغ بتكاليفها. الابتعاد عن الحلاقين تزامنت جائحة كورونا في توقيتها مع شهر رمضان وعيد الفطر المبارك، والمنع الإلزامي على بعض الأعمال التجارية كالحلاقة في شراء مكائن الحلاقة من الأفراد، والاعتماد على الذات لتصبح مكائن الحلاقة جزءا أساسيا في معظم المنازل. وتعوّّد الأفراد على الحلاقة في المنازل طوال الفترة الماضية دون الحاجة إلى الذهاب للمحلات، وساهم في ذلك العودة التدريجية للأعمال بدءا من الأسبوع الماضي. وأكد محمد عمر الحطامي -مستثمر في مجال الحلاقة الرجالية- ل«عكاظ» أن إغلاق المحلات خلال الأشهر الثلاثة الماضية سبب خسائر للمستثمرين في هذا المجال، متوقعا أن ينخفض الإقبال على الحلاقين خلال الفترة القادمة ليقوم العديد من الناس بتجربة الحلاقة في منازلهم خلال الفترة الماضية، خصوصا أن طول فترة الحجر دفعت العديد للتجربة بخدمة أنفسهم شخصيا، وقد يستمرون على ذلك حتى بعد السماح بعودة الحلاقين لأعمالهم؛ لتخوف الكثيرين من انتشار الفايروس، وتعودهم الاعتماد على أنفسهم خلال الفترة الماضية. ووفقا لآخر الإحصاءات الصادرة من وزارة التجارة لعامي 2017، 2018 -اطلعت «عكاظ» عليها- بلغ عدد السجلات التجارية الحاصلة على ترخيص نشاط الحلاقة الرجالية حوالى 7364 ترخيصا، بما يعادل أكثر من 10 تراخيص تصدر يوميا لمحلات الحلاقة الرجالية. زواجات بلا تكاليف شهدت الفترة الماضية إتمام العديد من الزيجات دون أفراح وحفلات مبالغ بها، واكتفت على قيام العريس بأخذ عروسه من بيت أهلها. والبعض طالب بإتمام مناسبة عائلية مبسطة بعد انتهاء الجائحة؛ بهدف إشهار الزواج دون أي تكلف. وقال حذيفة الشرعبي، أحد العرسان ممن أتم زواجه خلال الأسبوع الجاري ل«عكاظ»: «منذ عدة أشهر حجزت في إحدى قاعات الأفراح بمدينة جدة بتاريخ 5 شوال لإتمام الفرح، وبلغت تكلفة الفرح قرابة 35 ألف ريال على أقل تقدير (بزواج مخصص للنساء فقط)، تشمل إيجار القاعة بعمالها، وطاولات الطعام، والكوشة، وتكلفة الصالون النسائي، وتكلفة الملابس النسائية، والمطربة، وتشريع السيارة». وتوقع أن إتمام العديد من العرسان زواجاتهم خلال الفترة الماضية بأفراح تقتصر على أفراد العائلة بشكل مبسط دون تكلف، سينعكس عنه دعم العديد من الناس لتغيير ثقافاتهم وتسيير إتمام الزواج بحفلات مبسطة حتى بعد انتهاء جائحة كورونا، خصوصا أن العديد من الشباب يتأخر في إتمام الزواج عدة سنوات بسبب تكاليف ليلة الفرح فقط. وشاركه في القول معاذ الشميمري (31 عاما)، الذي أكد أن سبب تأخره في إتمام الفرح يعود إلى تكاليف ليلة الفرح، ولو أن تكاليف الزواج اقتصرت على أثاث المنزل وحفل عائلي مبسط لا يتجاوز حضوره 30 فردا لأتم الزواج منذ سنين. تقليل الاعتماد على المطاعم كانت المطاعم الجزء الأساسي في وجبات بعض العوائل، وكان الإقبال على إعداد الطعام بالمنزل لبعض المنازل قليلا قبل جائحة كورونا، رغم فوائد أكل المنزل الطبية والاقتصادية. وشهدت محلات التجزئة لبيع المواد الأساسية للأغذية إقبالا كبيرا خلال الفترة الماضية، وتحولت الأسر لطبخ الطعام داخل منازلهم، وتخوفوا من الطلب من المطاعم. ورغم تقديم المطاعم لخدماتها عبر تطبيقات التوصيل، إلا أن تجربة الاعتماد على الذات في الطبخ المنزلي طوال الأشهر الثلاث الماضية، دفع العوائل لتعلم الطبخ داخل المنزل. وبينت بيان عمر، أن الأزمة الماضية دفعتها لتجربة طهو العديد من الوجبات داخل منزلها، رغم أنها لم تكن تعلم سابقا آلية الطهو، ولم تفكر سابقا في كيفية تعلمها، إلا أنها حدت من ذهابها مستقبلا إلى المطاعم. تغيرات اجتماعية واستهلاكية أكد المستشار الاجتماعي الدكتور عبدالرحمن الشهراني، أن بعض الأنماط الاجتماعية الاستهلاكية التي كانت دارجة لدى الكثير من الأفراد، وبسبب انتشار جائحة كورونا تغيرت؛ فبعض الأفراد لم يكن يفكر نهائيا في تجربة الحلاقة بمنزله، ولكن بعد الأزمة أصبح الموضوع سهلا جدا، وقد يعزف الكثير من الأفراد عن الذهاب للحلاقين الفترة القادمة. وأشار إلى أن ثقافات الأفراح المبالغ بها قد تنتهي، ويكتفى بحفلات عائلية بسيطة، دون حفلات وعدم اللجوء إلى القروض لسداد مبالغ ليلة الفرح، إضافة إلى تجربة العوائل إعداد الطعام في المنازل والبعد عن أكل المطاعم وانعكاساته الإيجابية صحيا، إلى جانب توفر ميزانية الأسرة. وبين أن بعض العائلات كانت تشترط سنويا السفر خلال فترة الإجازة، اعتقادا منها أنه الوسيلة الوحيدة للترفيه عن النفس، ولكن التجربة الأخيرة قد تجعل تلك العوائل لا تقبل على السفر بشكل سنوي كما كان سابقا. وأضاف: «الجائحة ساهمت في تعليم كبار السن تحديدا (الشراء عن بعد) لتلبية احتياجاتهم؛ ما سينعكس إيجابا في معرفة العروض وفروقات الأسعار، وعدم الاكتفاء بالمحلات التقليدية».