سأتجاوز على مضض فكرة أن مسلسل (مخرج 7) هو نفس الطبق السنوي الذي يطهوه الفنان ناصر القصبي منذ قرابة ثلاثة عقود بنفس المقادير تقريباً، ليقدمه كوجبة أساسية يزاحم بها مائدة الإفطار السعودية سابقاً، والعربية لاحقاً، مضيفاً لذاكرة المشاهد وشاشته المثقلة بخيبات سابقة خيبة جديدة تمعن في إقصائه وفريقه عن دائرة المنافسة والابتكار والمواكبة، وتؤكد للمشاهد مجدداً أنهم رهان خاسر رغم ضخامة الإنتاج وتوافر الإمكانات، وأن أعراض الهشاشة والإفلاس ومتلازمة فقر الدهشة المصاحبة للمحتوى والأداء المغدق في الرتابة والتكرار استحالت مرضاً مزمناً، وأضحت علامة بارزة يُستدل بها على من يتسنم قمة الدراما السعودية ويتصدر واجهتها، لا لشيء سوى للتندر، والسخرية، فضلاً عن النقد اللاذع، ما يمنحهم أحقية كاملة في البقاء في ذيل القائمة، ويحول بينهم وبين التماهي مع الحركة الدرامية والفنية على مستوى الشاشة العربية وما تحققه من قفزات عملاقة، ولعله من غير اللائق والمنصف المقارنة أو حتى التطرق للمنصات العالمية المحترفة، المحترِمة لجمهورها ولأجنداتها أيضاً! قلت إني سأتجاوز تلك الفكرة فهناك من هو أقدر على تناولها بشكل أكثر احترافية وأقل حدة. لكن كيف نتجاوز شخصية «خاتم» الكارثية، المنبر الذي استولده (مخرج 7) للدرباوية ليصبح الناطق الرسمي باسمهم، والوكيل الحصري لأفكارهم بعد غياب «شباب البومب» ليقدم شخصية الدرباوي للمشاهد في قالب كوميدي، ويصنع منهم أنموذجاً ظريفاً ينتظره المشاهد بشغف ليستمتع بردة فعله، والتي تأتي غالباً على هيئة انتصار انتُزِعَ بهمجية خالصة، يرفضها المجتمع ويعاقب عليه القانون. كارثية «خاتم» لا تكمن في ظرافته المتكلفة التي تحاول أن تغفر فجاجة الشخصية وتجعلها أكثر تقبلاً فحسب، بل في جعله صانع قرارات مصيرية ومؤثرة في حياة من حوله، ابتداء بأخته «لولوة» التي ظلت طوال عشرين حلقة عرضة لابتزازه وهمجيته ومزاجيته التي تعد مرجعيتها الأولى والوحيدة لبقائها على قيد وظيفتها القيادية، (ضَع عدة خطوط تحت كلمة قيادية)، فضلا عن العبث بحياتها الخاصة وتشكيلها كما يحلو له في انتهاك صارخ لكل ما سنته الدولة من قرارات لتمكين المرأة، إلى جانب التجاوزات التي طالت موظفي الدولة وامتهانهم بكل بساطة في مكاتبهم التي تمثل عقر دار الدولة. تبلغ الكارثة ذروتها حين يختنق صوت القانون أمام هذه الممارسات، فتمضي هذه المهزلة بسلام طيلة المسلسل دون أن ترى مشهداً واحداً يستعرض قوة القانون وصرامته في ردع هذه الشخصية، أو التصدي لهذه البلطجة، إذ لا صوت يعلو فوق صوت خاتم، أو لنقل فوق صوت البلطجة! أدرك أن هناك من يرى أن مثل هذه الأدوار المشوهة الخادشة للذوق الخاص والعام تعكس واقعنا اليومي، ولكن يجب أن تعلم أنها ليست كل الحكاية بل هي نص مجتزأ، لأن سلسلة «تم القبض» هي التكملة المبهجة للنص المجتزأ، والجزء المغيب من القصة لمن يرى أن هذه الممارسات انعكاس للواقع، لكن يبدو أن قريحة الكاتب عقرت عن ولادة نص يحترم وعي الجمهور وذائقته وثقافته. كل ما سبق كان تمهيداً لسؤال واحد.. تُرى ما الذي يحول بين صناع الدراما السعودية وبين تقديمهم لأعمال ذات طابع روائي تحكي عن شخصيات وأحداث سعودية شكلت ملامح المشهد السعودي، وصنعت أثراً على مختلف الأصعدة؟؛ لماذا يصرون على إعادة صياغة الأحداث اليومية وكأننا بمعزل عنها وتقديمها بشكل مستفز ممجوج مثير للاشمزاز؟!