تتعالى أصوات الرأي العام موسماً بعد الآخر, وهو يعيش حالة رفض لشخصيات موجودة فعلياً بالمجتمع إلا أنها أصبحت شكلاً من أشكال بعض الشباب "السعودي" التي لها هوية وتحمل صفات معينة, وقد تكون شخصية "الدرباوي" أكثر تلك الشخصيات وجوداً في الشارع اليوم وحتى على شاشاتنا وصفحات أهم جرائدنا!. "الدرباوي" شخصية لم تكن تحمل هذا الاسم في الماضي من الأساس, ولم تكن يوماً ذات تأثير يشكل أي مخاوف, حيث كان يُطلق على "الدرباوي" عدة مسميات على مر العقود, فمرة يُقال عنه "العربجي", ومرة يُقال عنه "اللحجي", واليوم أصبح "درباوي". في كل الأحوال هي شخصية إن لم نكن نلحظ وجودها في السابق أو نتخوف منه, إلا أننا اليوم نقلق من تزايد عددها, نخاف من تأثيرهم على أبنائنا المراهقين ونرتاب من أي شخص قد يشبه في سلوكياته سلوكيات تلك الفئة, فنسرع لمنع أبنائنا من مرافقته أو مصادقته أو التحدث معه. فمن الذي جعل لتلك الشخصية أهمية وكيف تحولت إلى فئة مؤثرة اجتماعياً؟! شخصية "الدرباوي" قدمها الإعلام وصناع الدراما على طبق من ذهب للمجتمع وزجها بينهم حتى أصبحت تتواجد في كل بيت, حيث سخر الإعلام كل أدواته للكتابة عنها حتى صدق المجتمع أنها جزء منه, وروّج لها صناع الدراما عبر مسلسلات حظيت بجماهيرية عالية وكأن طابعها هو الطابع الغالب على معظم الشباب السعودي, فلم نعد نحن وحدنا من يصدق ذلك, بل حتى من يرانا خارج حدود الخليج من كافة أنحاء الوطن العربي. الدراما هي التي رسمت ملامح شخصية "الدرباوي" وثبتت وجودها من كثرة تناولها له, وإن كان "الدرباوي" في السابق مجرد شاب عشوائي لا يهتم بنظافته وهندامه ويتحدث بلهجة وملامح غريبة ويمارس سلوكيات مشينة وخاطئة, إلا أنه اليوم وبحسب تناول الدراما له فلقد أصبح شخصاً عنيفاً, عاق, لا يأبه بالآخرين, هوايته الأولى هي "التفحيط" وهمه الأول هو "الفلة". وقد يكون مسلسل "شباب البومب" الذي شئنا أم أبينا أحد أكثر الأعمال جماهيرية وتأثيراً ومتابعة على اليوتيوب, وإن لم يكن الأول خليجياً فهو آخر من طرح تلك الشخصية لكن ليس عبر حلقتين أو ثلاث كما فعل "طاش ما طاش" و"سيلفي", بل سخر الموسم كاملاً من أجل إعطاء تلك الشخصية حقها, لتتحول كاركتر "الدرباوي" التي قدمها النجم فيصل العيسى إلى أكثر النماذج شهرة على خارطة السعودية. وربما من جهة أخرى شارك الإعلام في رسم هوية وملامح تلك الشخصية عبر دعم تلك الأعمال بالانتقاد وحملات الإيقاف والمقاطعة التي لم تزد المشاهد السعودي وخاصة فئة المراهقين إلا فضولاً لمشاهدتها والتعرف عليها وربما الإعجاب بها وتقليدها, حيث أصبحت شخصية مشهورة يعرفها الجميع من الصغير إلى الكبير, برغم أننا وقبل خمس سنوات كنا نتساءل عن معنى كلمة "درباوي" عندما نسمعها. وبدلاً من صرف نظر المتابع الصغير والذي يُعد الأهم عن هذا النوع من الأعمال والشخصيات, زادت الوسائل الإعلامية نسبة التركيز معها والاهتمام بمشاهدتها, بينما كان بإمكانها تجاهلها وفرض شخصيات ونماذج أفضل على تلك الفئة المهمة "الصغار والمراهقين" عبر التركيز على أعمال أهم وأكثر عمقاً وقرباً من الواقع بالكتابة عنها ولفت النظر إليها وحث صناع الدراما على إنتاج عدد أكبر منها.