عندما نناقش تغطية الإعلام لجائحة فايروس كورونا المستجد فأي إعلام نقصد؟ إعلامنا، أم الغربي؟ لأن القصة مختلفة. في أمريكا، مثلا، وعلى وقع الجائحة، أظهر استطلاع لمؤسسة جالوب أن شعبية وسائل الإعلام الإخبارية حظيت بأسوأ تصنيف من ضمن جميع المؤسسات الأمريكية الكبرى التي تتصدى للفايروس، حيث انخفضت شعبية الإعلام إلى 44 بالمئة، بينما شعبية الرئيس ترمب 60 بالمئة. والخطأ الذي وقع، ويقع، فيه الإعلام الأمريكي، خصوصا المحسوب على اليسار، أنه تفرغ لمناكفة ترمب عوضا عن تغطية الجائحة، حتى أن بعض الإعلام تساءل عن جدوى تغطية المؤتمر الصحافي اليومي لترمب متهما إياه باستغلاله لأغراض انتخابية. وحاولت بعض وسائل الإعلام تبرير موقفها ذاك بالقول إنها تخشى على سلامة صحافييها، بينما يتهمهم ترمب بتسييس الجائحة ضده بدلا من التركيز على أخبار الفايروس بشكل مهني. والنقاش حول أداء الإعلام الأمريكي ليس حصرا على الساسة، أو المتابعين، بل بالإعلام نفسه، وهذا أمر صحي، حيث نشرت الواشنطن بوست متسائلة لماذا لم تحظ الجائحة بتغطية مشابهة للأحداث الإرهابية في أمريكا بسبتمبر 2001، حين تخلت شبكات التلفزة وقتها عن برامجها الرئيسية، وواصلت تغطية الأخبار دون توقف على مدار الساعة، ولأكثر من 90 ساعة مستمرة، مما جعلها أطول تغطية لحدث إخباري بلا انقطاع بتاريخ التلفزيون. وتعليقا على ذلك قال توم بيتيج، المدير التنفيذي السابق لبرنامج (نايت لاين) الشهير بشبكة (أي. بي.سي)، الذي انطلق على خلفية أزمة الرهائن الأمريكيين بإيران منذ عقود، إن «هناك مثل التعب» من قصة الفايروس، مضيفا «متأكد تماماً أن الناس المعزولين بحاجة إلى عوامل تشتيت جيدة (ما يشغلهم عن متابعة أخبار الفايروس)». وقال متسائلا: «أخبار عن الفايروس طوال اليوم؟ وكل الوقت؟ أعفيني»! وعند مقارنة ما سبق ببعض إعلامنا نجد أن متابعة أخبار الجائحة ببعض إعلامنا كانت مثيرة للهلع، وبمثابة الجرعة الزائدة، وهذا خطر، خصوصا أن وزارة الصحة، مثلا، تنصح بعدم متابعة أخبار الفايروس بشكل مكثف، وتشاركها بذلك المؤسسات التعليمية. ويعرف خريجو الصحافة الجدد أنه عندما يعض كلب رجلا فذاك ليس بخبر، فالخبر عندما يعض الرجل كلبا. وبحالة الفايروس الخبر ليس برصد الأعداد بشكل مثير للذعر، وإنما جهود وقف سرعة انتشار الفايروس. والتغطية ليست بتحويل الشاشات إلى عداد وفيات، لأن هناك متعافين، ومنهم كبار سن. والإعلامي الخبير يعرف أن الأرقام تخدع، والمهم السياق، والتوظيف. فالأهم التوعية، والتركيز على القصص الإنسانية، والتفاصيل تطول. وعليه، فإن نقد الإعلام هنا مختلف عن أمريكا، هناك يتهم الإعلام بتسييس الجائحة لتصيد ترمب، بينما هنا ساهم بعض الإعلام بالهلع، وإخافة الناس. وهذا خطأ، وخطر، وتقصير. * كاتب سعودي [email protected]