أسوأ الأزمات، وأنا أتحدث هنا إعلاميا، هي الأزمات المحدودة التي لها عمر افتراضي، ولكن لا نعلمه، إلا أنها لن تطول، حيث يتحول فيها الناس إلى فريقين، مثير للإحباط والقلق، وطرف آخر يحاول إثبات العكس، وهنا تضيع الحقائق، وتصبح الشائعات هي الأساس. وتعريف الشائعة هو الغموض والأهمية، وليس هناك اليوم خبر أهم من أخبار فيروس كورونا المتجدد، والذي تتركز حوله الشائعات اليوم ليس عبر وسائل التواصل وحسب، بل وفي بعض وسائل الإعلام. وليس المطلوب هنا التقليل من خطر هذا الفيروس، وإنما فهم كيفية التعامل معه، ومحاولة تجنب الناس الهلع، وذلك بشرح طرق الوقاية منه، وهذه هي المعركة الأولى، وأبسط ما قيل فيها، لأنه الحل الوحيد، هو ضرورة غسل اليدين قرابة 40 ثانية بالماء والصابون، وبشكل دائم. بعد ذلك إجراءات العزل، وتجنب مخالطة المصابين. هذا كل شيء، وليس هناك سحر. وذلك ما على الفرد فعله، أما الحكومات فدورها اتخاذ إجراءات احترازية وقائية، والحمد لله أن السعودية قامت وتقوم بجهد مميز، ويحسب لها أنها لم تتهاون مع هذه الأزمة، ومنذ بدايتها. هنا يتبقى دور الإعلام، فلا ينبغي أن تكون وسائل إعلامنا عداد وفيات، ونشرات إصابات، بل توعية، وأخبارا، وتسليط الضوء على قصص نجاح دول في معركتها مع الفيروس، فمنظمة الصحة العالمية تتحدث عن نجاح الصين، نعم الصين معقل الفيروس، ونجاح سنغافورة، وكوريا الجنوبية، فلماذا قيل إنهم نجحوا؟ وما الذي فعلوه؟ ولماذا تفاجأ العالم بضعف القطاع الصحي في إيطاليا، وهي الأعلى إصابة في أوروبا؟ لماذا لم تأخذ فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا، التحذيرات بجدية، وأوروبا اليوم، بحسب منظمة الصحة العالمية باتت بؤرة الفيروس؟ لماذا طار الإعلام بمقولة إن فيروس كورونا المتجدد وباء عالمي، بينما منظمة الصحة العالمية سمته «جائحة»، أي سريع الانتشار؟ وكيف أقحم الفيروس بالسياسة في منطقتنا، والطائفية، وأبسط مثال لبنان؟ وكيف اجتاح الفيروس إيران، وربما تكشف لنا الأيام عن كارثة إنسانية كبرى هناك؟ أين قصص من أصيبوا بالمرض، ثم شفوا؟ فقصتهم قصة إنسانية، وهي خير معلم للوقاية، ونحتاج هذه القصص لأن الهلع ينقص الإنسان المناعة المطلوبة للتعامل مع أجواء مجهولة كالتي نعيشها الآن. ولا ينبغي أن ننقل إعلاميا أجواء هلع كل دولة أفاقت مؤخرا للتعامل مع الفيروس بجدية، بل السؤال لماذا تأخروا بالإجراءات الاحترازية؟ كتبت الأسبوع الماضي، وأكتب الآن، لأقول إن الإعلام هو ملاذ الناس للحصول على المعلومة، فيجب أن لا يكون الإعلام سبب قلقهم، وخوفهم، وإنما كالطبيب الجاد المحترف، لا يكذب، ولا يهول، ولا يزين الأمور. * كاتب سعودي [email protected]