لقد بات العالم أجمع في حالة من الهلع بسبب انتشار فايروس كورونا (كوفيد - 19)، ولهذا بادرت الحكومات في أخذ التدابير الاحترازية للوقاية من هذا الفايروس والحد من انتشاره، فنجد تعليقا للرحلات الدولية والتعليم بمختلف مراحله وتتوالى الأخبار عن تدابير أخرى، وقد كان لحكومة المملكة حرسها الله، عدد من القرارات الحكيمة تجاه هذه الأزمة ومنها (تعليق العمرة والزيارة والرحلات الدولية والتعليم بمختلف درجاته والعمل الحكومي وغيرها)، ولما كان لهذه الإجراءات من آثار اقتصادية سببتها هذه الظروف الاستثنائية العامة وغير المتوقعة، فكان التساؤل ما هي الآثار القانونية المترتبة على ذلك، وهل يعد كورونا من قبيل الظروف الطارئة أم القوة القاهرة؟ يقول العلامة عبدالرازق السنهوري «رحمه الله» معرفاً القوة القاهرة بأنها حادث غير ممكن التوقع فإذا أمكن توقع الحادث حتى لو استحال دفعه، لم يكن قوة قاهرة، ويجب أن يكون الحادث غير مستطاع التوقع لا من جانب المدعى عليه فحسب، بل من جانب أشد الناس يقظة وبصراً بالأمور، فالمعيار هنا موضوعي لا ذاتي، بل هو معيار لا يكتفى فيه بالشخص العادي ويتطلب أن يكون عدم الإمكان مطلقاً لا نسبياً. أما نظرية الظروف الطارئة فاسمها فيه الدلالة الكافية على معناها كونها تقوم على فكرة إسعاف المتعاقد الذي اختل توازن عقده اقتصادياً، فهي تهدف إلى تحقيق العدالة في العقود ورفع الغبن منها، وقد اهتم بها الفقه الإسلامي كونها تقوم على أساس الضرورة والعدل، وقد جاء في كتب الفقه العديد من القواعد الكلية والمبادئ الفقهية التي تقوم على أساسها هذه النظرية ومنها (الضرر العام يدفع بالضرر الخاص)، (الضرر يزال بقدر الإمكان) (الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف)، وكذلك ما أقره الفقهاء في الفسخ بالأعذار أو وضع الجوائح وغيرها من القواعد التي تجيز تغير العقود وتعديلها. ولذلك من الصعب تكييف هذه الواقعه ويبقى الأمر خاضعا لتقدير سلطة قاضي الموضوع وفقاً لظروف كل حالة على حدة، وقد يتوسط القضاء في هذه المسألة عملاً بالقواعد الفقهية وترد الالتزامات إلى الحد المعقول حتى يطيق المدينون تنفيذ أداء التزاماتهم المادية لمواجهة هذا الاختلال وإزالة الضرر الناشئ عنه استناداً إلى الأحكام الخاصة بنظرية الظروف الطارئة، ومن صور ذلك تعليق العقود خلال فترة التوقف الحالية واستئنافها بعد زوال الظرف إذا كان الحادث مؤقتاً ويؤمل زواله قريباً. وفي جميع الأحوال فإن القضاء في هذه المسائل لديه مرونة تندرج تحت قواعد محددة بعد التأكد من الضرر المتحقق وعلاقته بالظرف المسبب له، فلكل قضية ملابساتها التي تميزها عن غيرها رغم اتفاق هذه الحوادث على الخصائص العامة، وعلى قاضي الموضوع حينها أن يدرس ماديات الفعل المكون لها والظروف التي حدث فيها ويقيم النتائج لتحديد المسؤوليات بناءً على ذلك.