كُتِبَت اللغة العربية بلا نقاط وبلا علامات تشكيل، فقد كان العربي لا يجد إشكالًا في قراءتها إن كان يجيد القراءة. ثم؛ وبسبب دخول الكثير من غير العرب تحت لواء الإسلام والعروبة مما أَدَّى إلى كثرة اللحن؛ وُضعت النقاط ثم علامات التشكيل في ما بعد. لذلك أَصبحت اللغة العربية أَكثر انضباطًا وذات معيارية متقدمة في لفظ أصواتها بما يتناسب ووضعها الإعرابي والدلالي. في العصور المتأخرة تَهَاوَنَ الكتاب والمثقفون في الاهتمام بعلامات التشكيل باعتبار أنه لن يخفى على القارئ المثقف اللفظ الصحيح، إلًّا أن ذلك كان تقديرًا غير موفق غالبًا. فإننا نرى الكثير من الأخطاء من متحدثين وكُتَّاب يُفترضُ أنهم على قدر من المعرفة والعلم بل والمكانة الأكاديمية في مجال اللغة العربية أو الدراسات الإسلامية. ولو كان المتحدث أو الكاتب حريصًا على عدم التعرض للحرج، لَبَذَلَ جهدًا مناسبًا في تشكيل ما يكتبه أو ما يلقيه بحيث تكون علامات التشكيل دقيقةً وصحيحةً خصوصًا في بعض الكلمات التي قد تحتمل اختلافًا في المعنى بحسب موقعها من الإعراب، وكذلك الكلمات التي تحتاج بالضرورة إلى تشكيلٍ لتُقْرَأَ بشكل صحيح كأسماء بعض المدن أو بعض الأشخاص وما إلى ذلك. كما أنّ مسؤولي التحرير في بعض الصحف أيضًا يتحملون جزءًا من هذا الوزر بحذفهم كل علامات التشكيل من أي مقال قبل نشره بحجة أن الفونت (حجم الحرف) المعتمد من قبل الصحيفة؛ مثلًا؛ لا يحتمل إتخام الكلمات بعلامات التشكيل، هكذا قيل لي شخصيًّا. وثالثة الأثافي، ما يحدث من كتابات في مواقع التواصل الاجتماعي حيث يُستعانُ ببرامج التشكيل فنجد على الحرف أكثر من علامة تشكيل مع عدم مناسبة أي منها لهذه الكلمة أو تلك. صحيح أن معظم من يكتب في مواقع التواصل هذه ليس على مستوى في المعرفة والمسؤولية حيال هذا الموضوع، فهم ينظرون إلى علامات التشكيل على أنها زخارف تُزيّن بها الكلمات لا أكثر. أمَّا عجيبة العجائب فما يكتبه كاتب مرموق ومحبوب ومقروء وعلى مستوىً أكاديمي متميز، فالكاتب المذكور يُسْمَحُ له بنثر علامات التشكيل في مقاله على غير هدىً، فيضعها في أماكن في الكلمة يمكن الاستغناء عنها ويهملها في مواقع تؤثر على موقع الكلمة من الإعراب وتسبب إشكالا للقارئ. وكان الأجدى أن يُشكل الكلمات التي يستشكل لفظها على البعض، وكذلك الكلمات التي تقبل أكثر من تفسير وإعراب. أخيراً.. هنالك أولويات وأفضليات تستحق أن نأخذها على محمل الجد، فالعناية بعلامات التشكيل تساعد أبنائنا وبناتنا ودارسي اللغة العربية كلغة ثانية والمثقفين وغيرهم على تحسين قدراتهم اللغوية بشكل واضح. [email protected]