سادت مشاعر متباينة في السودان عقب اللقاء المفاجئ بالعاصمة اليوغندية كمبالا بين رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إذ تنوعت المشاعر بين التأييد الحذر والتحفظ الهادئ وسط دهشة المحايدين الذين توقعوا أن تفجر خطوة البرهان براكين الغضب في خرطوم اللاءات الثلاثة لا صلح ولا سلام ولا تفاوض ولكن شيئا من هذا لم يحدث! علاقة الخرطوم بالقضية الفلسطينية، شهدت مسارات عدة أبرزها استضافة منطقة المعاقيل- شمالي الخرطوم - عددا من الفلسطينيين في ثمانينات القرن الماضي، وحين ضاقت بهم الحياة في المعسكر البائس الذي دفع السودانيون كلفته من معاشهم، هتف الضيوف «إسرائيل ولا المعاقيل» ثم غادروا. وفي هجرة معاكسة اختار عدد من السودانيين اللجوء إلى إسرائيل هربا من الحرب الطاحنة التي فرضتها سلطة الإخوان المسلمين في دارفور والمفارقة في الحدث المفاجئ أن تيارات الإسلام السياسي، وجماعة الإخوان التي فتحت خطوطا عريضة مع نظيرتها «حماس» بالدعم والمؤازرة بالسلاح والهتاف، وظلت مسيراتهم تجوب شوارع الخرطوم تأييدا لعمليات كتائب القسام وشجبا لسلطة أبو مازن.. اختارت هذه المرة الصمت في تناقض مريع بين الفعل والقول. في منتصف التسعينات، بعد قصف إسرائيلي لرتل من شحنات الأسلحة المهربة إلى غزة قال وزير الدفاع إنّ إسرائيل استهدفتنا «لتطبيقنا الشريعة الإسلامية» ثم جاء وزير الداخلية ليعترف أن سودانيين بعثوا أسلحة إلى القطاع دون علم الحكومة. وفي ذات الحقبة اقترح النظام إيصال نهر النيل إلى إسرائيل، ما يشير إلى أن تيارات الإسلام السياسي فتحت معابر ومسارات علنية مع إسرائيل برغم شعارات الجهاد. يقول مراقبون إن الصمت الإخواني على الخطوة التطبيعية يعود إلى اصطفاف الجماعة مع المكون العسكري في المجلس السيادي، لو فعلها «حمدوك» لغمرت تيارات الإسلام السياسي شوارع الخرطوم بالصياح. يقول مغرد سوداني «لماذا ندفع ثمن مواقفنا تجاه القضية الفلسطينية خصما على أمننا القومي.. ولماذا نحمّل أنفسنا عبئا فوق طاقتنا بالوقوف في خط المواجهة الأول في قضيّة نحن لسنا الأجدر بالتصدي لها.. لماذا كتب علينا التطلع للخارج دوما بينما هموم الداخل ومشاكله هي الأولى بالاهتمام؟» لم يتبلور موقف شعبي بعد في الخرطوم.. ربما الأيام القادمة تنبئ بمزيد من المسارات والمراجعات.. والشعارات!