لا تجيء سيرة الدراما السعودية دون أن تتهادى ذكريات عميدها الفنان محمد حمزة على أغصان شجارها الوقورة، ولا تُمر مشاهدة على الشاشات دون أن تُحملق الأعين بشغف متناهٍ وحنين عميق، وقد عبق الذاكرة الفنية بنتاج فني زاخر وفاخر ظل صامداً زهاء ثلاثة عقود رغم اختلاف التقنيات وتنوع الذائقة. حمزة الذي أمسك منذ بداياته بخيوط التمثيل وحاك بردة عمادته للدراما المحلية بأعماله ذات الطابع الرومانسي التي ما زالت تحظى ببريق جاذب رغم كل هذه السنوات على عرضها لأول مرة، يكابد هذه الأيام أوجاعه الصحية، ويثير غيابه عن المشهد ممثلاً أو كاتباً أو حتى منتجاً التساؤلات، لا سيما في ظل الحراك الفني والثقافي الذي تشهده المملكة في ظل جهود وزارة الثقافة وحراكها المحمود في الاحتفاء وتكريم الرموز والمبدعين، إذ ساهم في ترسية قواعد الفن السعودي منذ بداياته الأولى وكان من رواد الحركة الفنية عبر أدواره الشهيرة، بعد أن دلف إليه أول السبعينات الميلادية، عبر بوابة الإذاعة والتلفزيون السعودي مع انطلاقتها، حيث عمل مذيعاً فانتقل للتأليف وكتابة المسلسلات وكان باكورة أعماله «غيوم في الصيف»، أتبعها بعدد من السهرات التي لم تلق صيتاً كبيراً، غير أن عام 1982 كان تحولا نوعياً في تاريخه الفني عبر مسلسل «أصابع الزمن» الذي لعب بطولته إلى جانب ابنيه وائل ولؤي وكل من الفنانات مديحة حمدي ونسرين وفؤاد بخش وحمدان شلبي، وكان أشبه بزلزال فني تداعت بصيته الصحافة الخليجية وأشاد به النقاد العرب، وشكل قاعدة انطلاق جديدة وضعته على القمة وتمخض عنها عدد كبير من الأعمال أشهرها النقلة الثانية في تاريخه في عام 1989 عندما كَتب وأنتج ومثّل في مسلسل «ليلة الهروب» وعرض على القناة الأولى للتلفزيون السعودي في شهر رمضان، وحقق نجاحاً كبيراً أيضاً، وتوالت أعماله بعد ذلك. يحسب لمحمد حمزة أنه لم يتماه مع موضة الإنتاج الغزير العشوائي، وكان يصب جام تركيزه على النوعية والكيفية في أعماله، وواجه متاعب عدة في إنتاج بعض أعماله، ولم يسلم من بواعث الإحباط التي كانت تثير ضجره إزاء غياب التقدير للرموز لاسيما أمثاله ممن قدموا نماذج إبداعية مميزة ومشرفة للتمثيل السعودي. كُرم محمد حمزة عربياً، وذلك في 2006 من مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون، لكنه وبرأي جمهوره والمتابعين لإنتاجه طيلة العقود الماضية يستحق أن يُكرم على نحو كبير في حياته، لاسيما أن جيل اليوم قد لا يعرف عن تاريخه الفني الكثير.