قال العريفة: خلّني من بسّتك وبيرك إنت وإياه ذلحين. من منكم يقوم يطارحني ويوريني فقعته. بغى مربّي البساس يقوم يطارح. فالتقف (حاسن) يده وضغطها بقوة ضغطة الشرّ حتى استوى صاحبه على الأرض، وقال: «طرحوك في بير ما لها قاعة يا الخطل، يهبا من يفكّر يطارح كبيرنا، كلنا ننطرح لك، وننحني وننثني تحت ظلك». طلب من مربي البساس يصبّ القهوة من المصفاة المنحّرة على الصلل. وطلب من حاسن يمسك له الميراة حتى يتشرّب ويزيل بعض الشعر من وجهه. انتهى من الحلاقة، فقال: كلن منكم يروح عند أهله، ونبيّتها نار ما تصبح إلا رماد، وأنتم مالكم إلا رضاكم من عيني تيه قبل تيه، ولكن العِلم يا أخواني له عنبوب. أمهلوني إلى بكرة وحقكم عندي، مثني ومربوع. بعث مناديب يتخبرون له ويتقصّون عمن ذبح بسّة الرجّال، ومن دغثر ماء البير. فيما كانت المجالس تضج بالمداولات. علت الأصوات بين محرّض على الشكوى، وبين محرّش يبغي الفتنة تشتعل بين الجماعة، وعاد الرُّسل للعريفة دون خبر يسر الخاطر ويكشف سرّ العاثر. استدعى العريفة فقيه القرية، وطلب منه يِدْعي يوم الجمعة (دعاء الراتب) على من ذبح البسة ورماها في بير حاسن، وتسامعت القرية بالنبأ العظيم، وبدأ النساء والرجال يستحلفون أولادهم «في ذمتكم منتم معهم» والأولاد يقسمون: ما فعلناها ولا شفنا اللي فعلها. مؤذن القرية ضعيّف الله كما يطلقون عليه، أنجبت له زوجته الأولى سبع بنات، ثم تزوج ثانية فأنجبت له ولداً، كان يخشى عليه هبوب الرياح، وما غاب عن ذهنه أن شياطين القرية ربما يتهمون ولده، قال في نفسه يمكن يكون ولدي معهم وتصيبه دعوة الراتب من الفقيه وجماعة المسجد. سرى ليلة الخميس على بيت العريفة، ورمى حلّته بين يديه، وقال: يا كبيرنا ما يخفاك حال أخوك، وورعان القرية قشران، وما ودّي أبرّي ولدي واتهم عيال الناس لكن الخروج من دروب الفشيلة غنيمة، هذي خمسين ريال ادفعها لمربي البساس، وأنا من بكرة أصبح أن وعيال عمي ننزح بير حاسن لين يصفى مايها. نظر العريفة في الخمسين، وقال «زد كماها وتنسمح الأمور»، ردّ عليه: «والله لا قبلها ولا بعدها» فتبسّم وهزّ رأسه. علمي وسلامتكم.