قدم «فقيه الدجة» كما يطلقون عليه من بلاد الخبت. اكترى حجرة بابها داخل منزل أرملة، وقضى أياماً عالة عليها، يقاسم أيتامها مطعمهم ومشربهم، وفي بعض الأحيان يعذّر عليه العريفة لتناول وجبة معه فيقبل بأريحية، ويسرف في ذكر آيات وأحاديث إطعام الطعام ومثوبتها عند الله. لم يجد عملاً يُدرّ عليه رزقاً، فاقترح على جماعة القرية أن يقرّي عيالهم القرآن، واشترط إذا أتم الولد جزء عم يذبحون له دجاجة، وإذا ختم ربع ياسين يعطونه ديك عشاري، وإذا ختم يعشونه على عنز حايل، قال العم سعيد الذي عاش زمناً في مكة: روح يا واد، ما نحتاج أولادنا يصيرون فقها على ايدك وأنت تتشرط علينا دجاجة وديك وعنز، قال الفقيه: باعلمهم الحساب، فأجابه: يحسبون ايش الله يرد لك عقلك، شايفنا تجار. نجح في استمالة بعضهم، واستحوذ على عقول الكبار وقلوبهم، ووافقوا على مقترحه، وأكد العريفة عليه أن يجودوا القرآن، ويقبل بما أعطوه، حب وإلا تمر، فذاع صيته، وانتشرت أخبار قدرته على إخراج الجن، خصوصاً بعدما نجح في علاج ابنة الأرملة وخلّصها من عفاريت، لكنه اشترط أن يقترن بها لأن إخراج الجني يحتاج خلوة. رأى مشلح القحم الراحل معلّقاً فالتقطه، وكان المشلح الوبر يمنح الفقيه قيمة إضافية وهيبة، فيما كان أبو محمد يحقد عليه كونه علّم ابنه جزء عمّ وأخذ الديك العُشاري، وكلما حضروا مجلس العريفة بعد صلاة العصر، قال أبو محمد وهو يصب القهوة (المشالح يا عريفة على بعض البشر سرج، وعلى بعضهم حلس) فيرد الشاعر عليه قائلاً «يا لغلوغ قيمة المشالح من قيمة من فيها، والفقيه من روسنا وواحد منا»، فيعلّق: يهبى ما هو منا، ضحك عليّه يقول درّس الولد، ويوم سمّعت له ع الطلاق ما معه كفحة. كان الشاعر يعرف ماضي الفقيه، فجاءت حفلة العيد وارتز المعراض، فبدع (سابق الهجرة بعض الناس ما يلبس الا طي حوك، والمتن عاري والراس عريان ما فوقه عمامه، واما ذلحين يلبس بشت غالي وينتع ميتنا). جاءت الأرملة تصيح عند العريفة: الحقني، سرق مشلح اليتيم، وما أعطاني كرا البيت، وبنتي حامل. علمي وسلامتكم.