أخرعت بسة سوداء زوجة الفقيه، وهي حامل بابنها البكر. تعسرت ولادته لأن حجم رأسه كبير، وكادت الأم تفقد حياتها. فرح به الفقيه، وكان يضع يده على رأسه ويقول إن شاء الله يا ذا الرأس ما انت بدبّاة. أطلق عليه (ميمون)، تردد في ذبح العقيقة، قالت أم ميمون «وشبك ما تعق عن ولدي»، قال: العقيقة سنة، يثاب فاعلها، ولا يعاقب تاركها، قالت: مالك فضل خذ من غنمي واذبح ذبحوك على بيت نملة، فانتشى، وقال: ابشري ولكن سمي بالرحمن يا مَرَه. أطلق عليه القرويون (دهشر) وكان ملح القرية، يقضي نهاراته حول الغدران، وجوار الآبار، يتحدث مع النساء ويبوح بأسرار بيتهم، ويقلّد أباه وهو يعلف الحسيل، فيصيح عليه الأب، فشّلتنا الله يفشلك. كلما يسأل أباه: متى تنكح لي، يرد: اشتى الصيف، من صيف في صيف، حتى طفش ميمون من المماطلة، فأقسم لأبيه إن لم يزوجه ليهجّ في الشُّعبان، ولأن الله ما يقطع، حلّت في القرية سيدة، يقال إن أصولها غير عربية، ولها ابنة ممشوقة القوام، وهي وأمها ماهرات بصنع الجباب الصوف، يغزلن وينسجن، والفقيه ما يغدي عنهن يبيع لهن صوف الغنم. العريفة يرصد الدخلة والخرجة، ويوم شافه خارج من عندهن أشَّر له بكفه، فطلع له يسعى. سأله: وش كنت تسوي يا الرمروم؟ فيضع كفه على لحيته ويردد: لا تسئ الظن فيّه.. يا عريفة ظن خير. قال له: زوّجها ولدك. سأل: تقوله يا عريفة؟ قال: إي والله، البنت ما في الحكى فايدة. استدرك: لكن يا كبيرنا ما نعرف أصلهم من فصلهم، فردّ عليه: ذلحين إنته يعني من سلالة ما شيء كماها. انقلبت القرية إلى حراج، والشبان يعرضون ويهنون لميمون، كانت ليلة الدخلة حافلة بالمشاهد الطريفة، اللصوص يسترقون السمع، والفقيه يحذفهم من فوق البيت بالحصى، ويزجر: انقلع يا سرسري. سألها ميمون: كم لنا من يوم تزوّجنا؟ قالت: تعرف تحسب الشهور؟، قال: لا. قالت: هيا عدّ معي «رجب، ورجنّب، والشهر اللي جنّب، وشعبان ورمضان، والشهر اللي فوقنا، والشهر اللي تحتنا، واللي أخذتك فيه، واللي أخذتني فيه، واللي ما عرفنا تاليه». قال: صدقتي. علمي وسلامتكم.