كلنا يعرف حال البنات في عصر الجاهلية، فكان من يرزق بأنثى، إما أن يئدها حية، أو يُبقي عليها على مضض، وقد حكى لنا القرآن الكريم موقف هؤلاء، وكانوا ينتهجون هذا السلوك لقيم جاهلية وعصبية مقيتة، سادت المجتمع الجاهلي آنذاك. ولما جاء الإسلام، أعطى للأنثى حقوقها الإنسانية وأهمها حق الحياة، وتاريخ العرب بعد الإسلام حافل بالنماذج النسائية الرائعة في شتى مجالات الحياة. الصحابيات الجليلات أنجبن وربين أسود الإسلام ورجال الأمة أصحاب الفكر والعلم والشجاعة والدهاء، فكانت المرأة سند الرجل ومصدر قوته. هذه الخواطر جاءت في خاطري وأنا أقرأ عن إحدى الفتيات واللاتي مثلهن الكثير، عندما يتخلى الأبناء عن آبائهم، فتتصدى لهم الابنة لتقوم بدورها ودور أخيها، فقد شاهدت عبر وسائل التواصل أحد كبار السن دموعه تنهمر بسبب قطيعة أبنائه وجفوتهم، فقد نقلوه إلى دار العجزة وتخلوا عنه وهو في أمس الحاجة إليهم، فلما علمت البنت سارعت إلى أبيها وأخرجته وأقامت له حفل استقبال لم يقمه الرجال. فبالله كيف لا تكون البنت قرة العين وتفاحة القلب وثمرة الفؤاد، وهي البنت العطوف الحنونة على والديها، لكننا نجد وللأسف الشديد أن هناك بعضا من الناس يحتقر البنات، وهم قلة شاذة، فتجدهم إذا تأخرت زوجته في الإنجاب اتخذ كل الوسائل المتاحة حتى ينعم بالذرية، ولذهب إلى الأطباء بالداخل، وربما سافر شرقا وغربا كي يعالج هذا التأخير، ناهيك عن دعائه بأن يرزقه الله تعالى بالذرية، دون أن يحدد نوع هذه الذرية. نحن في مجتمعنا، ما زال يسيطر على عقليات الكثيرين -رغم وصولهم إلى درجات عليا في التعليم- تفضيل البنين على البنات، وربما فكر البعض في الزواج بأكثر من زوجة، حتى تنجب له ولدا، وقد غاب عنه أن الرزاق يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما. ودعونا نعود إلى درر التراث، بحثا عن مكانة «البنت» في الحياة الأسرية، فقد كان الإمام أحمد بن حنبل -رضي الله عنه- إذا بلغه أن أحد أصحابه رزق ببنت قال: أخبروه أن الأنبياء آباء بنات. صدقت يا إمام، ويكفي أن ننظر إلى آل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد انتشروا في أرجاء العالم بأسره، فهم ذرية بنت واحدة من بنات رسول الله. وقال البعض: لا يزال الرجل عقيما من الذراري حتى يوهب البنات، وإن كان له مائة من الأبناء، وأنشد أحدهم قائلا: إن البيوت إذا البنات نزلنها مثل السماء تزينت بنجومها هن الحياة إذا الشرور تلاطمتوإلى الفؤاد تسللت بهمومها ويروى أن عمرو بن العاص دخل على معاوية -رضي الله عنهما- وبين يديه ابنته عائشة، فقال: من هذه؟ فقال: هذه تفاحة القلب، فوالله ما مرّض المرضى، ولا ندب الموتى، ولا أعان على الأحزان مثلهن. وقال آخرون: لو كان بين إخوة يوسف أخوات بنات، لدافعن عنه، ووضعنه في أعماق القلب، لا في أعماق الجب، لكنها حكمة الله. ولو أن بين إخوة يوسف أخت واحدة، لقصت أثره كما فعلت أخت موسى، لتعيده إلى حضن أمه. فالأخوات البنات لا يعرفن أبداً طريق «الجب»، وإنما يعرفن فقط طريق «الحب». ولعل أجمل ما قيل في حب الأب لابنته، كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في ابنته فاطمة: قطعة مني، يريبني ما يريبها، ويؤذيني ما يؤذيها. فهل بعد ذلك كله ما زال «أبو البنات» يتوارى من القوم من سوء ما بشر به؟! اللهم احفظ بناتنا وبارك فيهن واجعلهن لنا ذخرا يوم القيامة.