قد يستغرب البعض توجهنا لتعلم اللغة الصينية، إلا أني أرى ذلك الاستغراب غير مبرر، وليس في مكانه، بل إني أستغرب تأخرنا في اتخاذ هذه الخطوة حتى هذا الوقت، خصوصا إذا ما عرفنا أن الصينية تتصدر اللغات العالمية من حيث إجمالي عدد المتحدثين بها، وفقا لإحصائية 2015، إذ يزيد عددهم على 1.4 مليار، وتأتي بعدها الإنجليزية ب942 مليون متحدث، والإسبانية ب570 مليون متحدث، وتحل العربية رابعا ب541 مليون متحدث، بينما تأتي الفرنسية عاشرا ب220 مليون متحدث، رغم ما تحظى به من إقبال. ولم يأتِ توجهنا لتعلم اللغة الصينية من فراغ، بل لما تتمتع به بكين من مصادر قوة في مناحي الحياة كافية، فيكفي أنها إحدى الدول الخمس التي تمتلك حق الفيتو أو النقض، وهو حق الاعتراض على أي قرار يقدم لمجلس الأمن دون إبداء أسباب، فضلا عن أنها قوة عسكرية جبارة، إضافة إلى أنها تمتلك ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وتفوقها في كثير من الأوقات والمجالات في حربها الاقتصادية مع الولاياتالمتحدة، ما يرشحها لتتصدر الاقتصاد في العالم قريبا، وكثير من المؤشرات تنبئ بذلك. وتفوق بكين في شتى مجالات العلوم الحديثة، يستدعي الاستفادة منها، كتقنية المعلومات والذكاء الاصطناعي وعلوم الفضاء والصناعات المتقدمة، كما أن لدى العرب ارتباطا وثيقا بالصين منذ القدم، إذ وصلوا إليها عبر الفتوحات الإسلامية في القرن السابع الميلادي، وعبر التجار العرب الذين نشروا الدين الحنيف، عبر تعاملهم الراقي والأمانة والأخلاق النبيلة التي تحلوا بها، كما أن تعلم أي لغة مهما كانت يفتح نوافذ جديدة للثقافات والحضارات ويوسع مدارك كل من يتعلمها، خصوصا مثل اللغة الصينية التي تمتلك حضارة موغلة في القدم، متنوعة ومتشعبة. وتوجه بلادنا نحو تنويع مصادر الدخل ومنها الاهتمام بالسياحة، يستدعي اطلاعنا وإلمامنا باللغات الحية، لاسيما أن بلادنا تهدف لاستقطاب السياح من أنحاء العالم كافة، ومنهم 20 مليون سائح صيني على أقل تقدير وفقا للإحصائيات والإستراتيجيات المعدة، وتحركنا لتدريس اللغة الصينية يوفر لأبناء الوطن 50 ألف وظيفة في التدريس وكل ما يتعلق به، وبدلا من أن نطلب العلم ولو في الصين، نطلبه في بلادنا عبر لغتهم.