يترقب أهالي مكةالمكرمة انتهاء أعمال الهدم والإزالة في «النكاسة» لتعود إلى الحي العريق عافيته مودعا العشوائية والاختلالات التي شهدتها طوال الحقب الماضية.. وفي الوقت الذي تعمل فيه آليات ومعدات الجهات المختصة في ترتيب أوضاع الحي ومحو التشوهات والتلوث البصري فإن الأهالي يستبشرون بغد أفضل للحي الذي اختار أن يكون مستقره على سفوح جبال مكةالمكرمة بعدما أطلقوا عليه اسم «النكاسة ستي» مواءمة مع عمليات التحديث المرتقبة. تحايل على الخدمات أكثر من 100 ألف من الجنسية البرماوية اختاروا الحي سكنا لهم بعد أن تمدد أغلبهم إلى الأراضي البيضاء بلا صكوك أو أوارق رسمية أو وثائق تمليك ونجح أغلب سكان الحي من الوصول إلى الخدمات بعيدا عن عيون الجهات المعنية.. تحصلوا عليها من منازل الجيران أو من المساجد القريبة ما اعتبره البعض تحايلا على الخدمات! بات حي النكاسة الشعبي، أشبه بمدينة داخل مدينة، بسطت فيه الجالية البرماوية ثقافتها وطقوسها، ينهون إشكالياتهم اليومية عبر أعيانهم، أما الأسواق فحدث ولا حرج، هنا تباع السلع بأسعار زهيدة، وتجد البضائع منتهية الصلاحية رواجها في الأزقة والشوارع الضيقة التي لا تصلها آليات ومركبات الرقابة والأمانة. ولم يسلم «نكاسة ستي» من الأمراض والأوبئة، آخرها مرض الجرب، وطبقا لمتابعين فإن نسبة المرض في الحي بلغت قرابة 80% من جملة المصابين في مكة ومنه انتقلت العدوى إلى بقية الأحياء.. وكل هذه الدواعي والأسباب دفعت هيئة تطوير مكةالمكرمة إلى السعي الحثيث نحو تطوير الحي وإصحاح أوضاعه ومعالجة اختلالاته. قوز المكاسة تاريخيا عرف الحي ب «قوز المكاسة» وهو الاسم العتيق كما يقول الدكتور فواز الدهاس أستاذ التاريخ بجامعة أم القرى ل «عكاظ»، إذ أوضح أن القوز يعني كثبان الرمال، أما المكاسة فهو من المكس الذي يؤخذ على القوافل التي كانت تدخل مكة من جهة الجنوب، وتم تحريف هذا المسمى حاليا إلى قوز النكاسة من بعض العامة والآسيويين الذين استوطنوا الحي. ويعد النكاسة أحد أحياء أسافل مكة المعروفة بالمسفلة جنوب المسجد الحرام وهو المكان المفضل للجنسية البرماوية إذ يوجد فيه نحو 100 ألف فيما ينتشر آخرون على سلسلة جبال تمتد من الطندباوي إلى المسفلة، مثل جبل الشراشف وحارة يمن والجبال المطلة على دحلة الرشد والدحلة الوسطى، ويوجد في قمم الجبال نحو 90 ألف نسمة من الجنسية البرماوية، وتسعى هيئة تطوير مكةالمكرمة إلى تطويرها ومعالجة أوضاعها بيئيا وتنظيميا وبلديا. جولة في عشوائيات الحي جالت «عكاظ» في النكاسة، ووقفت على قمة أحد الجبال بين الطريق الدائري الثالث ومشروع تعبئة زمزم، إذ يعيش فيه 50 ألفا من ذات الجنسية، ورصدت الصحيفة إحدى المجازر التي تنحر فيها الإبل وتذبح فيها الأبقار وتباع لحومها بأسعار زهيدة، خصوصا أيام الجمعة، ويرى البعض أن معظمها غير صالحة، لذا يحرص باعتها على تسويقها بنصف القيمة. سألت «عكاظ» «عبدالله» إن كان قد سمع عن تطوير حي النكاسة فقال إن موظفي البلدية وضعوا أرقاما على جدران منازلهم ولم يعودوا، فالحي كثيف الاختلالات، ولا يعبره موظفو البلدية إلا لفترات متفاوتة خشية صعود الجبل ونأيا بأنفسهم عن المشاكل، «يحررون محاضرهم وتقاريرهم أسفل الجبل لأن عواقب الصعود يعد نوعا من المغامرة». ويضيف عبدالله أن شوارع الحي يشهد تسويق الخضراوات المسقية بمياه ملوثة وتستجلب من مزارع في الأطراف. الزهور والقمامة ليس بعيدا عن النكاسة.. يقع حي «القمامة»، واستمد الحي اسمه من حالته، قبل أن يتغير الاسم إلى «الزهور» ويحتل مكانه على الطريق الدائري الثالث، ويسكنه 30 ألف بورمي ويعج بالزحام، وملاعب ترابية وبيوت عفوية أغلبها بلا صكوك تثبت ملكيتها والحجرة الواحدة يتقاسمها كثيرون والكهرباء مجانية يحصل عليها السكان من الجيران أو المساجد ولا أحد يجرؤ على إبلاغ الشركة خشية العقاب! ويقول على الحربي وسعيد الهذلي إن أهالي الأحياء الأصليين نزحوا وهاجروا إلى مخططات أخرى جديدة في الشوقية والحمراء، إذ فضل كثير منهم الابتعاد عن الحي بعد أن كثرت مشاكله، ويطالب الأهالي بإيجاد حلول نهائية للعشوائية والتسيب. حي النكاسة الشعبي في مكة : أكثر من 100 ألف برماوي غالبية منازلهم بلا صكوك يحصلون على خدمات الماء والكهرباء بطرق غير قانونية