اختلفت روايات أهل مكةالمكرمة حول سبب تسمية حي"قوز النكاسة"بهذا الاسم، فمنهم من غاص في ذكريات الماضي مستحضراً قصة عن أن عمال النظافة كانوا يحملون النفايات في العربات"الكرّو"ويذهبون بها إلى ذلك"القوز"حيث ينكسون عرباتهم على قمته ليخرجوا ما حملته عرباتهم من مخلفات، في حين ذهب آخرون إلى أن ألسنة العامة لاكت المسمى الأصلي وحورته لتشتق منه المسمى المتداول حالياً مشيرين إلى أن"قوز المكاسة"هو الاسم الأصلي للحي، ويوافقهم الرأي المؤرخ المكي عاتق البلادي الذي يصف الحي بقوله"قوز المكاسة"رمل إلى جوار كدي بمسفلة مكة، ولعل المكوس تؤخذ عنده من حجاج اليمن، والعامة تخطئ في اسمه فتقول قوز النكاسة. وعلى رغم اختلاف المكيين على مسمى حيهم إلا أنهم اتفقوا على أن احتلال الملك البوذي"بودا باية"لإقليم أراكان وضمه إلى بورما"ميانمار حالياً"دفع عشرات الآلاف من مسلمي ذلك الإقليم على الهجرة إلى بلاد الحرمين بداية الستينيات الهجرية قبل أن يقوموا مع مرور الأعوام بتحويل جنبات"قوز النكاسة"إلى مناطق سكنوها ونشروا داخلها ثقافاتهم وعاداتهم وغصّت بها سلبياتهم. وكثيراً ما يتباكى المكيون على حال حيهم الذي تحول إلى مناطق يقطنها قرابة 100 ألف برماوي، لتتعالى أصواتهم مطالبة بمسابقة الوقت للضرب بيد من حديد لإزالتها، واستغلال المساحة الشاسعة التي تحتلها بيوت عشوائية متلاصقة ممتلئة على بكرة أبيها بألوف المخالفات ومئات المجرمين. وتدل تأكيدات مصدر مطلع ل"الحياة"على أن السلطات السعودية ممثلة في إمارة منطقة مكةالمكرمة تسعى إلى بدء مشروعها الجبار الهادف إلى إزالة العشوائيات عبر بوابة حي النكاسة، في حين كشفت تقارير أمنية عن تنامي مساحة الجريمة داخل"قوز النكاسة"، خصوصاً جرائم السرقات وتمرير المكالمات والمخدرات والمسكرات. وبالتوغل بين حنايا"مناطق البرماويين"داخل قوز النكاسة يبدو جلياً للمتجول داخل تلك الأزقة الضيقة بين المباني العتيقة المتهالكة على سفح جبل معقد الجغرافية تنامي مساحة المخالفات في ذلك الحي، الذي تفوح داخله العديد من الروائح النتنة بينما تسقي تسربات مياه المجاري أرضيته المتشققة، ويبدو أن هذه الروائح وتلك المياه باتت أمراً ألفه البرماويون الذين حولوا جنبات المنطقة إلى خلية نحل لا تهدأ يكثر فيها الضوضاء والضجيج، وتتعالى الأصوات متداخلة مع عبارات التسويق داخل سوقهم الشهير المنصوب على قارعة أحد الأزقة. وداخل السوق تتجاور صفائح القمامة مع مباسط بائعي الخضراوات والفواكه، بينما يتدفق سيل مياه الصرف الصحي بينهما قبل أن يختلط حابل الأمور بنابلها نظراً لتعدد السلع المعروضة داخله، التي تبدأ من المواد الغذائية مروراً برؤوس الأبقار والأسماك واللحوم المكشوفة والفواكه والخضراوات المتعفنة والعديد من السلع المنتهية الصلاحية، ووصولاً إلى الملبوسات. وتتنوع مآرب مرتادي السوق، فإضافة إلى جموع المتسوقين الراغبين في الظفر ببعض ما حوته تلك المحال والمباسط، تبرز فئة أخرى تبحث عن"الكيف"المتمثل في الحصول على نصيبها من مخدر"التمبول"الذي يباع على قارعة ذلك"الزقاق". وكلما تسارعت خطى المتجول داخل منطقة تواجد البرماويين وأكمل مشوار سبر أغوارها صعوداً ستلوح في أفقه العديد من التساؤلات الباحثة عن إجابة لن يجدها، فالجبل مليء بالمحال التجارية غير المرخصه التي علق على جلها لوحات إعلانية باللغة البورماتية، ولعل الغريب في الأمر يكمن في أن أمانة العاصمة المقدسة لم تستطع أن تحرك ساكناً تجاهها.