دخلت القرية الحقبة الصناعية، وصل الأسمنت في لوري عم حسن، وحضّر قلاب أبوعبدالله البطحا من أودية قريبة، وتمصلح عدد من الشباب في تحميل الرمل بالزنابيل والمساحي، وكانت خُبرة من عمال يمنيين يديرون المصنع، استأجروا حمارة أبوجارالله بزفّتها لجلب الماء من الآبار القريبة. قال لهم: «ما معي أحد يشيل ويحط»؟ قالوا: «بليت الهمّ انحن نشد ونحط، ولكل عن كل يوم ريال. واتفقوا مع بن زايد على السماح لهم بساحة البيت لتصنيع الطوب، كانت الركيبة الواسعة تحت نظر شبابيك البيوت، ومنذ مطلع الفجر، والعمالة تخلط وتكبس وترص والأهازيج لا تتوقف فريق يبدع (شاعود للخلان والأحبة، شاعود يكفيني شجن وغربة)، ويردّ الفريق الآخر (تجمّلوا يا سعد من تجمّل، ما حد من الباير صرم وحمّل). تحولت أكوام الطوب إلى غرف، وعَلّى بعض الموسرين بيوتهم الحجرية بغرف أسمنتية مصبوغة بالبويات، وانتقلت المدرسة إلى مبنى مكون من ست حجرات، لها فناء، وبها دورات مياه، وتم غرس أشجار الكينا، وعُيّن معلمون سعوديون خريجو معهد المعلمين، قدموا من أقصى الشرق، بنى لهم أحمد الناهب غرفة بجوار سكن اليمنة، وبجوارها حمّام، وكان المعلمون يعتنون بملابسهم، ولأول مرّة يشاهد أطفال القرية مكواة ملابس بالنار، مثل مصيدة الفئران، يوضع فيها الجمر ثم يحكم إغلاقها، وتطبع الثياب والغتر. أحدث دخول المعلمين والعمال نقلة نوعية، فالشباب بدأوا يحاكونهم في اللبس والعطور ورص الأقلام، وأصبحت عزبتهم مقراً لسهرة الشباب كل ليلة جمعة، خصوصاً أن أحد المعلمين يعزف عود، والآخر ضابط إيقاع فريد من نوعه، وعشاق الطرب من كبار السن والشباب يلتزمون بتوفير العشاء وإعداد القهوة والشاهي، و(يا ليل ومن أنت ليله) مجموعة يلعبون بلوت، ومجموعة يتبادلون الأحاديث، وقبل العشاء يدعون العمال، فيتعشون، وتبدأ حفلة السمر، كان المطرب يبدأ بأغنية (احنا جينا نحييكم ونسمر معاكم). قبل نهاية العام تم زفاف ابنة المؤذن على ولد الفقيه، وحضر شاعر القيفين أبوجعيدي، وفي المعراض كان يبدع ويرد، فاتفق اثنان من المدرسين أن ينزلا ويجارياه ويفوزا بكسوة، فبدع أحدهم "يا ليتك يا الأعمى تشوف، واهل المبصرة والعيون، واعيسان ما أقوى سباعه، إذا حدّت أنيابها) فتبسم أبو جعيدي، وقال ردّوا عليها يا خيطي بيطي، فلم يتقن الآخر الرد، فبدع: (جانا جراد المشرق، منتفة جنحانه، وأمّا الشميري مدبق، يسرح مع شيهانه)، علمي وسلامتكم. Al_ARobai@