في المقال السابق بينت أن سبب مظاهرات «السترات الصفراء» في فرنسا وهولندا وبلجيكا المستمرة للشهر الثاني هو غضبهم ليس فقط من زيادة ضريبة الوقود التي تم إلغاؤها بسبب مظاهراتهم إنما من كامل النظرية الاقتصادية المعولمة غير العادلة التي تطبق عليهم والقائمة على تخفيض الضرائب على الأثرياء ورفع الضرائب على الطبقات غير الثرية مما فعليا يؤدي لإفقار الطبقة الوسطى، وليس فقط من أفقرتهم هذه النظرية الاقتصادية يعتبرونها غير عادلة وخاطئة إنما حتى الأثرياء أنفسهم؛ فقد صرح من توج لسنوات كأغنى إنسان بالعالم مؤسس «مايكروسوفت» بيل جيتس، أنه يجب عليه وعلى أمثاله من الأثرياء والشركات الكبرى دفع ضرائب «أعلى بكثير» وأن الفقراء يدفعون ضرائب أكثر بكثير من الأثرياء! ونفى صحة زعم الجمهوريين أن تخفيض ضرائب الأثرياء والشركات الكبرى سيساعد الطبقة الوسطى والعاملة «مقابلة مع سي إن إن، 19/فبراير/2018». وهذا بالغرب الذي ليس لديه فوائد «ربا» قروض دولية وخصخصة داروينية تضاعف من كارثية تطبيق هذه النظرية الاقتصادية كما يذكر الاقتصادي الأمريكي د. جوزيف ستجليتس الحاصل على جائزة نوبل للاقتصاد والذي كان كبير اقتصاديي البنك الدولي ونائبا لرئيسه، ورئيسا لمجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس كلينتون، فستجليتس بعد أن كان مشرفا على نشر وفرض هذه النظرية الاقتصادية على دول العالم تحول ليصبح أبرز معارضيها بسبب الآثار الكارثية التي نتجت عنها بالدول التي طبقتها؛ حيث أدت لإفقار الطبقة الوسطى وانهيار قطاعات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية بسبب سحب ميزانيتها لتسديد فوائد القروض الدولية وخصخصتها، بالإضافة لفرض الضرائب على البسطاء الذين لم يستفيدوا شيئا من الخصخصة والقروض الدولية إنما استفاد منها فقط الأثرياء فوق تخفيض الضرائب على الأثرياء وهذا تسبب بسلسلة ثورات في الدول التي طبقت هذه النظرية الاقتصادية بشرق آسيا وأمريكا اللاتينية والعالم العربي فقوضتها وأدت لعودة تيارات التطرف اليميني واليساري، ولهذا إن كانت هناك عبارة سحرية واحدة يمكنها حفظ الاستقرار لكل دول العالم بأقصى ما يمكن والوقاية من الاحتجاجات والمظاهرات وما قد يصاحبها من شغب والوقاية من الإرهاب والثورات فهذه العبارة السحرية هي؛ «فرض الضرائب على الأغنياء فقط» إن كان لابد من فرض ضرائب، ولو اتفقت كل دول العالم على هذا المبدأ العادل فلن يوجد مهرب تهرب ثروات الأغنياء إليه خارج بلادهم لأنه بكل العالم ستكون هناك ضرائب متقاربة عليهم، ولو أنه على أي حال مصانعهم واستثماراتهم تذهب للدول الفقيرة حيث يمكنهم بذل أقل الرواتب والحقوق للعاملين. * كاتبة سعودية [email protected]