نستعيذ بالله من الشيطان، قبل قراءة القرآن، وفي أكثر من شأن. ونُجسد الشيطنة في شخص إبليس، كأنه الأوحد، ومما ورد في لسان العرب: «الشَّيْطانُ من شَطَنَ إذا بَعُدَ، وكل عاتٍ متمرد من الجن والإِنس والدواب». دعونا نستخدم الرمزية المطلقة للشر، وسيد الشياطين إبليس، ليتضح المقال. إبليس من الجن، وكان عابداً، رَفَعهُ الله من الأرض، اعتقد امتلاك الأفضلية، النابع من الحسد، كان نقطة التحوِل في مسار العابد الزاهد، ليصبح منبع الكفر، وعدو الإنسانية؛ فكانت المقولة: «أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ»، تَبِعَ هذا الاعتقاد، إعلان العصيان على الخالق سبحانه. فهل ما يمارسه البعض في حياته اليومية -دون وعي منه- سوى السير على خُطى الترقي في مراتب إبليس؛ تمثلاً لقوله «أَنَا خَيْرٌ مِّنْه»؟ إذا كان إبليس الرمز والنهج، فإن الأتباع كُثُر يحيطون بنا. معصية واحدة، واعتقاد الأفضلية هَوَت به من تلك المنزلة، إلى ما هو عليه الآن؛ فما قولك في أهل العنصرية ومن يعتقد الطهر في عرقه، دون غيره، لا لأنه من نار! بل رغم كونه من طين مثله! وما رأيك فيمن يمارس الفوقية بشكل يومي؟ ومقاييسه في ذلك لون بشرة، أو لون جواز سفر. أخبرني عن درجة «الأبلسة» لمن يتخطى طابوراً من المنتظرين، ليدخل على المسؤول قائلاً أنا من (آل فلان)، وهو من طينٍ أيضاً. وآخر يُعطل أحد المسارات، غير مبالٍ بمن التزم بصرامة بمساره، وحفظ النظام. وآخر يتجاوز الإشارة لينعطف بمركبته محتجزاً عشرات المركبات فقط لتكون له الأفضلية، كأفضلية رمزه «إبليس»، وإن غضب من التشبيه. نستعيذ من الوسواس الخناس من الجِنة والناس، ولا نعي أن الخناس من الناس، هو ذاك الذي يرمي بكلمة تأخذ ما تأخذ منا، أو تأخذ بنا إلى ما تأخذ، بغيبة أو بنميمة تحت عبارة «لإني أعزك»، أو تحت عباءة «نصيحة»، ونبرر عمله الشيطاني، بعذر إبليسي (أخبَرني، لأنه صديقي). لُعن إبليس لذنب ليس بالصغير، ولكن ذنوبنا ليست صغيرة أيضاً. لربما فاق التلميذ معلمه! أو أصبحَ برتبة إبليس أول.