وزير الاتصالات يجتمع في الولايات المتحدة بشركات في الذكاء الاصطناعي والتقنيات العميقة    طيفك باقٍ.. خالي إبراهيم الخزامي    عشرون ثلاثون    ولي العهد يعزي ملك المغرب هاتفياً    تركي بن محمد بن فهد يُدشن المبنى الرئيسي لهيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية    أمين القصيم يفتتح ورشة العمل التشاورية    12 مليون برميل هبوط مخزونات النفط الأمريكية    مغامرات لعبة "ماجك"، و"ميني بمپر كارز".. «مدينة الصين».. وجهة سياحية في «سيتي ووك»    ورشة عمل.. «لمشروع رفع الحيازات الزراعية.. بجازان    60 سنة هجرية شرط الحصول على «معاش التقاعد»    205 منتجات وطنية في قائمة المحتوى المحلي    عقود جديدة في «جازان للصناعات الأساسية»    فيصل بن مشعل يرعى انطلاقة ملتقى القصيم العقاري ويدشن أعمال «السجل» في المنطقة    أكد الرعاية الإنسانية الكريمة والدعم المستمر من القيادة الرشيدة.. د. الربيعة يتفقد برامج مركز الملك سلمان لإغاثة متضرري الزلزال في سوريا وتركيا    انتشار الجرب والجدري في المخيمات    ولي العهد يستعرض مع بوكر العلاقات السعودية - الأميركية    الجامعة.. اليوم حزب الله وغداً داعش !    خبراء أمميون يدينون غياب العدالة في الضفة الغربية    حرب السودان.. ماذا بعد التصعيد ؟    مذكرة تفاهم للمشاورات السياسية بين السعودية وإستونيا    القادسية يعلن رحيل العابد والزوري    بدء المرحلة الثانية من مشروع الاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية    وزير الرياضة يبارك للبطل السعودي"آل حزام" التأهل لأولمبياد باريس    في الجولة الأولى من البطولة العربية .. أخضر الطائرة يتغلب على الكويت    الإيطالي بيولي مدرباً للاتحاد لثلاثة مواسم    تستضيفه السعودية لمدة 8 أسابيع.. كأس العالم للرياضات الإلكترونية.. تجربة غير مسبوقة    ديميرال يصنع التاريخ    توزيع 28 طناً من لحوم الأضاحي على 2552 أسرة في الشرقية    حفظ أكثر من 800 ألف كيلو من فائض الطعام في موسم الحج    «بر الرياض» تحتفل بنجاح أبناء المستفيدين.. وتكريم خاص لخريجي الثانوية    سنوات الدراسة واختبارات القياس !    ولي العهد يترأس مجلس الوزراء ويعرب عن تقديره للأعمال المميزة خلال الحج.. الموافقة على نظام التأمينات الاجتماعية الجديد للملتحقين الجدد بالعمل    أمير الشرقية يدشن مقر" البركة الخيرية"    جامعة الملك خالد تستحدث برامج ماجستير وتعتمد التقويم الجامعي لعام 1446    ارتفاع 80 % في درجات الحرارة و70 % في الأمطار    الخيمة النجرانية.. تاريخ الأصالة والبادية    أمانة تبوك تواصل أعمالها الصحية في معالجة آفات الصحة العامة    الاحتفاء بالعقول    لا تنخدع بالبريق.. تجاوز تأثير الهالة لاتخاذ قرارات صائبة    يقين التلذذ.. سحرٌ منصهر.. مطرٌ منهمر    هزيع مُصلصل    جامعة الأميرة نورة تستقبل طلبات مسابقة اللغة العربة    تعقيب على درع النبي وردع الغبي !    رُبَّ قول كان جماله في الصمت    هندسة الأنسجة ورؤية 2030: نحو مستقبل صحي مستدام    5 أخطاء تدمر شخصية الطفل    أطباء سعوديون يعيدون الأحبال الصوتية لطفل    150 دقيقة أسبوعياً كافية لمواجهة «التهديد الصامت»    المفتي العام يستقبل مسؤولين في الطائف ويثني على جمعية «إحسان» للأيتام    الحجاج يجولون في المعالم التاريخية بالمدينة المنورة قبل المغادرة لأوطانهم    «البيت الأبيض»: الرئيس بايدن ماضٍ في حملته الانتخابية    ماكرون يحضّ نتانياهو على «منع اشتعال» جبهة لبنان    عروض شعبية ببيت حائل    تكليف المقدم الركن عبدالرحمن بن مشيبه متحدثاً رسمياً لوزارة الحرس الوطني    تجسيداً لنهج الأبواب المفتوحة.. أمراء المناطق يتلمسون هموم المواطنين    وصول التوأم السيامي البوركيني الرياض    الحج .. يُسر و طمأنينة وجهود موفقة    هنّأ رئيس موريتانيا وحاكم كومنولث أستراليا.. خادم الحرمين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تساؤلات حول العصاب القهري
نشر في اليوم يوم 15 - 01 - 2003

اسعاد حياة الانسان مقصد اساس الدين، فان الله تعالى خلق الناس لينعم عليهم في هذه الحياة، وليفيض عليهم رحمته: (إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) والشريعة جاءت لخير الناس وصلاحهم ورحمتهم: (هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون).
والانسان المتدين يفترض ان يعيش سعيدا بتدينه، وان يعمر قلبه الرضا والاطمئنان (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله الا بذكر الله تطمئن القلوب).
لذلك يعد الله تعالى المؤمن الصالح بان تكون حياته طيبة في هذه الدنيا، ثم ينقلب في الاخرة الى نعيم الله ورضوانه: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).
فأين تقع حياة الانسان الوسواسي من هذا المقصد الديني العظيم؟ وكيف يمكن قياس حالته بهذه المعايير الشرعية؟
انه يحول الدين من منهج سعادة الى مصدر قلق وعذاب، ويصبح ذكر الله عنده المتمثل في الصلاة وسيلة ومثيرا لحالة من الاضطراب والعناء، بدل ان يضفي على قلبه السكينة والاطمئنان.واساسا فان الوسواس يحرم صاحبه من التمتع بلذة العبادة، والاستلهام من ينبوعها المتدفق بالمعنويات والقيم، فهو مشغول مهموم بضبطها، ومستغرق في الحذر والحيطة من وقوع خلل او خطأ فيها.كما يدفع الوسواس صاحبه لارتكاب بعض المحرمات، والتعود على ذلك، كتأخير الصلاة عن وقتها وكقطع الصلاة وكالاسراف في الماء، وهدر الوقت، وتضييع حقوق الآخرين وايذائهم.ومن اهم مقاصد الشريعة تحقيق العبودية لله في حياة الانسان، بان يسيطر على غرائزه وميوله، ويتحكم في نزعاته وتوجهاته، بحيث تكون في الاتجاه الصحيح، الموافق لما يريده الله سبحانه, لكن الوسواسي يفرط بالسيطرة على نزعاته وتصرفاته، ويجعل للشيطان على نفسه سبيلا، فيصبح اسيرا لوساوسه، مستجيبا لاملاءاته، مخالفا لامر ربه ولتوجيه عقله.ويأمرنا الله تعالى ان نستعيذ به من شر الوسواس والوسوسة: (قل اعوذ برب الناس ، ملك الناس ، إله الناس ، من شر الوسواس الخناس ، الذي يوسوس في صدور الناس ،من الجنة والناس).
ومما يلفت النظر ان الوسواس في المجال الديني ينحصر في امور الطهارة والعبادات غالبا، ولا ترى اثرا للوسوسة في المجال المالي مثلا، بحيث يشك المتدين في فراغ ذمته من الزكاة، فيؤديها اكثر من مرة، او يحتاط في موارد الصرف، فيدفع الحق الشرعي مكررا في موارد مختلفة، او يضاعف المبلغ المطلوب منه.بل قد تجد ان من يصرف الوقت والجهد لضبط وضوئه وصلاته، غير مهتم بدفع الحقوق الشرعية، او يسعى لتقليص ما عليه الى اقل قدر ممكن، او يسوف ويتساهل في الاداء، فلماذا لا تحدث وسوسة في الجانب المالي من الدين؟
وكذلك الامر في جانب حقوق الناس، فانك لا تجد حالة وسوسة في هذا المجال غالبا، بحيث يبالغ في احترام حقوق الآخرين، المالية والمعنوية، ويحتاط في حفظها ورعايتها، بل على العكس من ذلك تجد الكثير من المتدينين، وحتى الدقيقين منهم في مسائل الطهارة والصلاة، انهم يتساهلون في مثل موضوع الغيبة والنميمة، وسوء الظن، وما اشبه مما يرتبط بسمعة الاخرين وحفظ كرامتهم.
فأين الاحتياط والوسوسة عن هذا المجال؟
أليس في ذلك دلالة على شيطانية الوسوسة؟
فالوسوسة في الطهارة والعبادات تضر ولا تنفع، ولذلك يثيرها الشيطان، ويسول بها للانسان، اما الوسوسة في المجال المالي ولمراعاة حقوق الناس، فان فيها جانبا من الفائدة والنفع، لذا لا يمكن ان يوحي بها الشيطان، او يغري بها الانسان.
اليس كذلك؟
منهجية الدين قائمة على اليسر والسماحة، يقول تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) واليسر هو السهولة واللين. والعسر هو الضيق والشدة والصعوبة، ويقرر الله تعالى انه وضع تشريعاته واحكامه على اساس اليسر والسهولة للناس، وليس فيها ما يدعو الى العسر والشدة والمشقة.وتتجلى هذه المنهجية في كل تشريعات الاسلام حيث (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) واي حكم شرعي يسبب للانسان حرجا ومشقة لا تحتمل عادة، فانه مرفوع عنه (ما جعل عليكم في الدين من حرج).
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يربي الامة على استيعاب هذه المنهجية، ورفض منحى التكلف والتزمت، حيث امره الله تعالى ان يبرز هذه الصفة في نفسه (وما أنا من المتكلفين) والتكلف: اسم لما يفعل بمشقة او تصنع - على حد تعبير الراغب.وحينما كان صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم يرى بعض اصحابه يبالغ في العبادة، كان ينصحه بالاعتدال، فقد قال لعبدالله بن عمرو: (يا عبدالله بن عمرو، ألم أخبر أنك تكلف قيام الليل وصيام النهار؟). قال: اني لافعل، فقال صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: (إن حسبك، ولا أقول افعل، ان تصوم من كل شهر ثلاثة ايام، الحسنة عشر امثالها، فكأنك قد صمت الدهر كله). مسند الامام احمدبن حنبل حديث 6878.
وعن ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ان النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم دخل عليها وعندها امرأة قال: (من هذه؟) قالت: فلانة، تذكر من صلاتها، قال صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: (مه عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملوا) صحيح البخاري. حديث 43.
وحدث مرة ان قام اعرابي فبال في المسجد، فتناوله الناس، فقال لهم النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم (دعوه، وهريقوا على بوله سجلا من ماء، أو ذنوبا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين) المصدر السابق. حديث 220. وعنه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أنه قال: (يسروا ولا تعسروا، وسكنوا ولا تنفروا) المصدر السابق. حديث 6125.
(ورأى رسول الله صلى الله عليه وآله صحبه وسلم رجلا يصلي في المسجد يسجد ويركع، ويسجد ويركع، فقال صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: ان خير دينكم أيسره، إن خير دينكم أيسره، إن خير دينكم أيسره) مسند الامام احمد بن حنبل. حديث 20617.
وعنه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: (اياكم والتعمق في الدين فإن الله قد جعله سهلا، فخذوا منه ما تطيقون) كنز العمال. حديث 5348.
هكذا الاسلام في احكامه، وفي سيرة قادته، يسر وسماحة، لا تكلف فيه ولا تعقيد، لكن اجواء بعض المتدينين تغذي حالة التشدد والتزمت، خاصة عند الشباب اليافعين المقبلين على الدين، مما يوفر عند بعضهم الاستعداد والارضية لنمو بذور الوسوسة والتكلف في المسائل الشرعية.
تتمكن حالة الوسواس من الانسان بشكل تدريجي، فاذا حصل الانتباه والوعي لها في وقت مبكر، كان العلاج والتغلب عليها امرا سهلا ميسورا، لكن السكوت والاغضاء على الحالة لفترة طويلة، يزيد من صعوبة معالجتها.
وعلى كل حال فمهما كانت درجة الصعوبة الا ان الخلاص والعلاج ليس مستحيلا، فقد منح الله تعالى الانسان ارادة قوية قاهرة، اذا قرر استخدامها فسيقهر بها كل عادة او سلوك، مهما كانت درجة تجذره في نفسه وحياته.
لكن المشكلة تكمن في ضعف الارادة، حيث يرفض المصاب التجاوب مع العلاج، او يتراجع عن الاستمرار فيه، ويخضع لضغوط الوسوسة، وقد اظهرت البحوث ان نسبة 30 - 40% من مرضى الوسواس يقبلون على العلاج، وان 40-50 منهم يحققون درجة متقدمة من الشفاء، لتجاوبهم مع العلاج وتوافر الرعاية اللازمة لهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.