ما بين سماء التأمل، ووهاد الفن؛ تشكلت شخصية الموسيقار غازي علي، حيث الخطوة الأولى أنشأت حواراً وجدانياً مع بساتين طيبة الطيبة وروحانية المسجدين؛ النبوي وقباء؛ بما تصدح به مناراتهما من ضياء، وإذا كانت وفاة والده، وهو في سن مبكرة، تركت صحراء الفقد تتسع في نفسيته، فإن حنان أمه كسا ذلك الفقد اخضراراً وهمى مطر الأمومة ليمحو ذلك الجفاف، حتى صدحت بلابل الموسيقى ورددتها وديان المدينة وروابيها، ومال غصن الفن ونما. سطَّر عاشق الفن -كما يحلو له أن يسمي نفسه بعيداً عن البحث عن الشهرة- أروع الأغاني، جادت بها حدائقه الغناء كان منها: «روابي قبا»، و«سلمى»، و«شربة من زمزم»، و«في ربوع المدينة»، و«محلا اسمك يا رياض»، و«يا العشرة»، وغيرها الكثير. ربما يغيب عن قارئ غازي علي؛ بعد أن استقى من معين فنه كيفية دوزنة التراث، وعرف أن عاشق الفن كان مولعاً بقراءة التاريخ، وما أضفاه عليه معهد (الكونسر فتوار) بالقاهرة؛ إذ تخصص في الموسيقى حتى غدا علامة فارقة في مسيرة الفن السعودي، ثم تعمق في دراسة اليوغا وكتب الفلسفة. ربما يغيب عن هذا القارئ، أن هناك مقطوعات موسيقية (سمفونيات) لغازي علي تحتاج إلى قراءات نقدية متخصصة لسبر أغوار بحار الأمل والتأمل، وقراءة التضاد بين المرح والحزن، والإشراق والأفول، منها سمفونيات (حنين، مرح، فرحة، الحلوة، سنابيك، انسجام، بلدي، إشراق). وهي باب مشرع للنقد الفني لدراسة هذا الموسيقار الذي توارى عن الوسط الغنائي لينزوي في ركنٍ قصيٍّ يتأمل أغصان عمره ومطر ألحانه الخالدة. ذات مساء كئيب قبل 3 عقود، داهمت غازي أزمة قلبية، وكانت يد رفيق دربه سراج عمر (رحمه الله) أضاءت له شمعة الحياة، أما رد الجميل فكان ماثلاً حين أصيب سراج بإعياء شديد في آخر مراحل عمره. ويجسد المقطع الشعري «أسقيتني كأس الأمل، ورد العمر يندى معك، الوادي ما يخشى الظمأ، دام السحابة تتبعك»، ما يختلج في النفس من إكبار تجاه اللمسة الحانية وغير المستغربة التي قدمها رئيس الهيئة العامة للرياضة رئيس اللجنة الفنية بهيئة الثقافة تركي آل الشيخ؛ إذ تكفل بعلاج الفنان الموسيقار غازي علي داخل المملكة أو خارجها، بعد أن ساءت حالته الصحية.