وداع حزين لموسيقار الأغنية السعودية وسراجها، الملحن سراج عمر، الذي مضى في هدوء اختار قبله عزلة لم يشأ فيها أن يكون في موضع مواساة، وهو الذي لم يعتد إلا على وقوف أنيق وراسخ وقوي. أودع سراج عمر نكهته الخاصة غلالة شجية ظاهرها عاطفي يشذب معاني العشق وقصائد العشاق، وباطنها إنسانيات شتى، فأخصبت الأغنية بألحانه منذ عقود طويلة بعد جفاف. أعاد اكتشاف المواهب وبث الروح الفنية الأنيقة في دواخل الناس حتى كان واحداً من أركان الأغنية السعودية التي اتخذت شكلاً حديثاً وأنيقاً. كان سراج يؤثر كبرياء الموسيقى حتى على نفسه، فهو الذي شكا عبث النهازين لظروف الفن العربي، وتطاول الدخلاء على قيمة الموسيقى وحضورها الأصيل. هدد بحرق تاريخه الفني احتجاجاً على تلك الفوضى، واختار أن يعتزل المشهد ترفعاً منه عن سفاسف الجدليات الرخيصة كما يرى، وانزوى إلى عالمه الفني الرفيع وحيداً حتى اختارته المقادير أن يرتحل في ركب رفيقيه محمد العبدالله الفيصل وطلال مداح. سراج الذي حمل تاريخاً فنياً عظيماً بين دفتي حياته، لا يمكن أن تذكر الأغنية الوطنية دون أن نأتي على لحنه وصوته، الذي سيظل راسخاً في الذاكرة، بأغنية «منار الهدى»، وعمله الوطني الشهير أوبريت «التوحيد» وغيرها. بدأ مشواره في الستينات، وهو عضو مؤسس في اتحاد الفنانين العرب، بل هو أول عضو سعودي سجلته جمعية المؤلفين والملحنين في باريس، وعضو في المجمع العربي للموسيقى. أعاد توزيع النشيد الوطني السعودي باللآلات النحاسية العسكرية، وصنف على أنه من المحدثين في الأغنية السعودية وإحدى أهم ركائزها. توفي أمس (الجمعة) بعد صراع مع المرض عن عمر ناهز 72 عاما، وسيوارى جثمانه فجر اليوم (السبت) في مقبرة الرويس، ويقام العزاء في منزله بحي الرويس (غربي جدة). ونعى وزير الثقافة والإعلام الدكتور عواد العواد الفنان السعودي سراج عمر، وكتب عبر حسابه في «تويتر» أمس: «رحم الله الفقيد سراج عمر، فقد كان من رواد الفن السعودي في أعماله الفنية التي أثرت الساحة الثقافية بالعطاءات المتميزة، دعواتنا له بالرحمة والمغفرة، وإنا لله وإنا إليه راجعون».