كان للصيام دورٌ لا يُنسى في تاريخ العلاقات الدولية، ومن نماذج ذلك التجربة التي قادها الزعيم الهندي مهاتما غاندي لتوظيف الصيام بهدف تقويم أخلاق بني جلدته وتهدئة هياجهم ومحو الحقد والبغضاء من قلوبهم من طرف، وتحدي عدوهم المستعمر من طرف آخر، حيث أبدع الأب الروحي للهند في استخدام الصوم في كلتا الجبهتين؛ الداخلية والخارجية، وكان الناس يتألمون بألمه ومن ثم يستجيبون لتعليماته. وكان القائد العبقري يخاطب قومه باللغة التي يفهمونها وذلك عن طريق جعل الصوم سلاحاً يعتمد عليه للقضاء على القلاقل والاضطرابات والثورات والأزمات السياسية والكوارث الاجتماعية. لقد صام غاندي خمسة عشر صوماً ولأسباب مختلفة. في تاريخ نضاله السياسي كان لغاندي مناورات عديدة، منها ثلاثة أحداث لها ارتباط وثيق بفلسفة الصيام؛ الحدث الأول كان مقاطعةً تجارية طلب فيها غاندي من شعبه عدم شراء القماش المستورد من إنجلترا، وفي هذا السياق قام بنسج ردائه بنفسه. ثاني هذه الأحداث هي مقاطعة الملح حيث ناشد غاندي شعبه بعدم استهلاك الملح الذي تُنتجه شركات المستعمِر، وترأسَ غاندي بنفسه المسيرة الجماعية التي قطعت مسافة 322 كلم لأجل استخراج الملح من البحر. الحدث الثالث هو صوم غاندي نفسه الذي أربك المستعمر بإضرابه عن الطعام. لقد أثخن غاندي الجراح في جسد المستعمر بثلاث ضربات عمادها الصيام، فالصيام تدريب يدفع إلى الامتناع عن استهلاك شيءٍ كما يوحي بذلك المعنى اللغوي لكلمة الصيام، وبإمكان هذا الامتناع أو النشاط السلبي أن يجد مساحةً للتطبيق والممارسة على المستوى الشخصي والأُسري والمجتمعي والوطني والدولي. أجل! لقد استطاع الزعيم الهندي أن يُقاطع بضائع المستعمر ويُنهك قواه بسلاح الصيام بمفهومه العام. فعندما كانت الطوائف الهندية تقف وجهاً لوجه وتقرع طبول الحرب وترفع شعارات الكراهية والعنف، كان الزعيم الهندي يقف في خضم الاضطرابات ويهتف بأعلى صوته «إني صائم» وكان موقفه القائم على الصوم يلقى دائماً تأثيراً سحرياً في نفوس شعبه. لقد نشأ لدى مسلمي القرون الأخيرة من الاهتمام الشديد بالجانب الفقهي للدين وإغفال الأبعاد الروحية والاجتماعية الفاعلة فيه؛ الأمر الذي يجعلنا نتساءل، ألسنا أولى من الزعيم الهندوسي في الاستفادة من معاني الصيام في معركة الوحدة والتنمية؟ * محاضر بجامعة (إس إم يو) بولاية تكساس الأمريكية