يعيش المجتمع السعودي حالياً المرحلة الأولى للمشروع التنموي الحديث الذي وضع لبنته الملك سلمان بن عبدالعزيز من خلال تبني رؤية الأمير محمد بن سلمان، لمسيرة التنمية، المتمثلة في رؤية 2030 وبرنامج التحول الوطني؛ إذ تمكن الأمير الشاب خلال السنتين الماضيتين أن يحقق تقدما كبيرا في العديد من المجالات السياسية والاقتصادية والمعرفية، رغم وجود بعض القصور في الجوانب التطبيقية للرؤية، وهذا أمر طبيعي يحدث مع جميع خطط التنمية في دول العالم بما فيها المتقدمة، إلا أن الإنجاز الأهم من وجهة نظر علم الاجتماع السياسي هو قدرة الأمير على إحداث تحول إيجابي لدى الكثير من السعوديين في نظرتهم، تجاه قضايا عدة، كانت تحول نوعا ما دون المشاركة الإيجابية في المشروع التنموي السعودي ومنها على سبيل المثال: 1-الشعور الإيجابي بالأمن الاجتماعي لوضوح الرؤية السياسية في مسيرة استقرار بيت الحكم السعودي. 2- رفع الوعي المجتمعي حول أهمية تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على النفط كمصدر أساسي للدخل. 3-الإقبال على العمل وفي مختلف المجالات المناسبة من قبل الشباب ذكورا وإناثا وتجاوزهم لمفهوم أن العمل والكسب الحلال والإنتاج أمر معيب مجتمعيا. 4- تعزيز الثقة في الشباب السعودي والتأكيد على إمكاناتهم التنافسية داخليا وخارجيا. 5-رفع قابلية الفرد السعودي لتحمل بعض الأعباء المالية لخدمات كانت تقدمها الدولة دون مقابل. 6-نظرة المجتمع إلى أهمية الترفيه البريء في بناء الشخصية السعودية، أضف إلى ذلك وجود قناعات إيجابية لدى السعوديين بشرائحهم كافة، أن الرؤية لم تأت من فراغ، بل نتيجة شعور بالمسؤولية التاريخية، دفعت الأمير الشاب للبحث عن حلول إبداعية وعقلانية مستشرفة مستقبل السعودية، مسايرة لركب الحضارة وضامنة بإذن الله استدامة الدولة، بما يتوافق مع متطلبات المرحلة في براغماتية خلاقة. ولا يعني هذا التحفز نحو المستقبل واستشرافه من قبل الأمير أن الرؤية ستكون بالضرورة خارجة عن السياقين الديني والمجتمعي المعتبرين كما يتمناه طرفا النقيض من دعاة الغلو أو الانفلات، فقد بنيت الرؤية في ضوء مبادئ مستمدة من العقيدة الإسلامية كإطار مرجعي، إضافة إلى احترامها العميق والكامل للأعراف الاجتماعية المعتبرة، والقيم المنبثقة من البيئة المنسجمة مع طبيعتها، آخذة في الاعتبار ألا تكون الرؤية أسيرة، ولا سائرة في أنساق معرفية وافدة، وألا تكون خاضعة لمناهج دخيلة، لا تتسق مع المجتمع وخصوصيته المعرفية والسلوكية. وتأتي إشكالية التطرف بشقيه الديني واللاديني من التحديات التي واجهها السعوديون في الماضي وستواجهها الرؤية في الحاضر والمستقبل، إلا أن الملك سلمان وبحكمة متناهية عززتها خبرته التراكمية في الحكم والإدارة ودراسة عميقة للتاريخ وتجارب الدول، يسهم بقوة في تعزيز طموح الأمير الشاب وضمان سلامة خطواته الإصلاحية السريعة والمتتابعة ليعمل على إنضاجها وتكييفها وفق متطلبات المجتمع ومصالحه الدينية والدنيوية. ومن أجلى صور نضج رؤية الأمير وتكييفها مع متطلبات المجتمع ومصالحه، التأكيد المستمر الذي يصدر من الأمير في مناسبات داخلية وخارجية بأن ما تقوم به السعودية اليوم من إصلاحات، ما هو إلا عودة بالمجتمع إلى ما كان عليه قبل عام 1979م والتخلص مما جاء بعد ذلك العام من تحولات فكرية خارجة عن المنهج السعودي المعتدل والسائد قبل ذلك، وتأكيده الدائم بأن القيادة في السعودية مازالت محافظة على سلامة المنهج الذي قامت عليه دولتهم، وهذا ضرب من فنون القيادة الحكيمة والإدارة الناجحة، التي يمارسها الأمير في مجمل قراراته فهو يتصف بمهارات قيادية ذات قدرة مرنة، تسمح باقتباس الأفكار ودمجها، وتشجيع الإبداع، وترتيب الأولويات التنموية، مصحوبة بكاريزما فريدة كسب بها العقول والقلوب مما يسهل مهمته -بإذن الله-، ويمكنه من تحقيق حلمه من خلال رؤيته لسعودية المستقبل. [email protected]