يبدو أن جراح النظام القطري من سهام الصديق الإعلامي تركي الدخيل مدير قناة العربية وصلت إلى مرحلة متأخرة جداً من النزيف والالتهاب، بحيث لم يعد يجدي معها العلاج أو يخفف ألمها أي مسكنات قد تأتي على شكل أكاذيب أو إشاعات تبثها عنه منصات عزمي الإعلامية. قبل أيام تركت قناة الجزيرة القطرية الموبوءة كل أحداث العالم وتفرغت لمحاولة النيل من صديقنا مدير قناة العربية، وهي القناة التي كانت حتى أواخر العقد الماضي تخوض منافسة إعلامية معها على كسب المشاهد العربي، قبل أن تتفرد العربية بموضوعيتها وصدقها وتألقها، وتتدحرج الجزيرة في هاوية القبح والتزييف لتجد لنفسها مكاناً ملائماً في سلة نفايات الإعلام العربي. عرفت الدخيل قبل نحو 18 سنة.. عرفته صحفياً مبدعاً وإعلامياً يعرف جيداً كيف يكون قاتلاً بدون سلاح لخصومه.. هو من القلة القليلة في الوسط الإعلامي العربي التي صنعت مجدها الإعلامي من الصفر دون مساعدة أحد. لم يهبط صديقنا الدخيل، (أو أبوعبدالله كما يحلو للأصدقاء تسميته)، على كرسي إدارة قناة العربية ب«البراشوت» كغيره من مديري القنوات العربية التي تملأ الفضاء بالضجيج كل يوم، بل صعد السلم من أسفله درجة تلو درجة أمام أعيننا.. عرفناه قبل عقدين من الزمن مراسلاً صحفياً ثم كاتباً ثم مقدم برامج، ثم باحثاً، ثم ناشراً تربع على هرم النشر في العالم العربي خلال أقل من 5 سنوات عبر دار مدارك وشقيقها مركز المسبار، والأهم أنه كان طوال مسيرته رجلاً يضع الوطن في قلبه أينما حل، ويضع مصلحة بلاده هدفاً أسمى في كل أنشطته المختلفة. عام 2004 تقريباً عندما أصدر تركي كتابه الأول، كان قد بنى مجداً إلكترونياً مهماً من خلال منتداه الشهير «جسد الثقافة»، الذي مر عليه أبرز مشاهير ونجوم الأدب والثقافة في الخليج اليوم، حينها اتصل بي هذا البهي هاتفياً، طالباً بمحبة (الفزعة) بنشر إعلان عن كتابه الأول في مجلة شهرية تصدر من لندن كنت أرأس تحريرها آنذاك، وبالفعل نشرته ومرت السنين سريعة، وأصدر بعده عدة كتب قبل أن يؤسس مركز المسبار، الذي أعتبره شخصياً أهم منبر ربما على مستوى العالم لمحاربة الإرهاب والتطرف الأصولي الإسلاموي عبر كشف أسرار جماعاته ورموزه بالبحوث الجادة والدراسات الرصينة، وبالطبع مثل هذا الأمر يضرب كل الجهات الداعمة للإرهاب في العمق ويشل خططها ويفضح ممارساتها، وعلى رأسها النظام القطري الذي يُعد فعلياً الحضن الدافئ الحنون لهذه الجماعات الظلامية منذ منتصف تسعينات القرن الماضي. ما أريد أن أقوله باختصار، هو أنني شخصيا شاهد حي على مسيرة هذا الإعلامي المضيء طوال عقدين من الزمن، وهو يستحق (دون منة أو فضل من أحد) كل النجاحات التي حققها على المستويين الوظيفي أو المادي ويستحق أفضل منها أيضاً، وما تألم أعداء الوطن من نجاحه أو ثرائه ومحاولتهم النيل منه إلا دليل صارخ على أن رمحه ما زال مغروزاً في صدورهم، وسيبقى كذلك مهما صرخوا ورددوا «من أين لك هذا؟». * كاتب سعودي Hani_DH@ [email protected]