الضجيج المثار حالياً حول الجرائم التاريخية التي ارتكبتها الميليشيات التركية المحتلة للمدينة المنورة تحت قيادة الزعيم الإرهابي فخر الدين باشا إبان الحرب العالمية الأولى ظاهرة صحية جدا، وكان يُفترض أن تُناقش هذه القضية منذ عقود طويلة، لكنها ظلت طي الكتمان إعلاميا حتى شاء الله أن يغضب الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان من الإشارة لها في تغريدة «تويترية» لتنبعث مجددا حقائق التاريخ التي لا يمكن طمسها مهما طال الزمن ومهما حاول المزورون. وصف أردوغان في تصريحاته الغاضبة، فخر الدين باشا بأنه جده، وهي معلومة غير صحيحة فلا يوجد أي صلة نسبية تجمع بينهما حسب علمي، وإنما استخدم ذلك كدلالة رمزية سياسية خطيرة تحمل في طياتها بشارة للحالمين بعودة المشروع التركي الاستعماري في المنطقة، وهو (وفق كل الروايات المحايدة التي يتجنبها أحفاد المستعمر) أكبر مشروع ظلامي تدميري ضرب الأراضي العربية عبر التاريخ وتسبب في قذف الشعوب العربية في غياهب الجهل والدم والظلمات مبقياً إياها خارج الحضارة لعدة قرون. خلال العقود القليلة الماضية عملت الدعاية الإخوانية التي تعتبر نفسها وريثا شرعيا للمستعمر التركي على تلميع وتنظيف التاريخ الإجرامي لما سمي ب«الخلافة العثمانية» من خلال سيطرتها على التعليم ووسائط المعلومات، وإلا فإن الحقيقة التي يدركها العقلاء تتلخص في أنه لا يوجد تفاوت كبير بين «خلافة العثمانيين» و«خلافة داعش» في البنية والتكوين والواقع السياسي، فكلاهما تنظيمان مسلحان سيطرا في غفلة من الزمن على أراض شاسعة ونهبا مقدرات سكانها، وأطلق زعيم كل منهما مسمى «الخليفة» على نفسه، هكذا بكل بساطة واختصار، الفارق الوحيد بينهما أن العالم اليوم ليس كالعالم بالأمس، وأن زمن التنظيم العثماني لم يحظ بوسائل إعلام تنقل الحقائق للعالم وتدفع قادته للتكتل لمحاربة الإرهاب كما حدث مع شبيهه «داعش». لن أخوض في تفاصيل الجرائم الفظيعة التي ارتكبت في الجزيرة العربية طوال فترة «الخرافة» العثمانية، فقد تناولتها كثير من وثائق التاريخ بكل دقة وتفصيل، وتطرق لها العديد من الباحثين والكتاب العرب في أطروحاتهم بشكل مستفيض، فقط سأشكر فخامة الرئيس رجب طيب أردوغان من كل قلبي على اعترافه الصريح بأن من وصفه بجده «فخري باشا» نهب مقتنيات الحجرة النبوية الشريفة من مسجد رسول الله وأرسلها إلى إسطنبول، مبررا فعلته الشنعاء بأنها حفظ للأمانة، ومن ثم أؤكد له أن هذه الفعلة في كل الأعراف والمفاهيم حول العالم تسمى «سرقة»، وبناء عليه يمكننا أن نقول اليوم: «حان الأوان بعد هذا الاعتراف الرئاسي المجلجل لعودة تلك المقتنيات الشريفة إلى مكانها الطبيعي»، عندها فقط سيؤكد لنا فخامته أن جده ليس «حرامي» كما نزعم، كما أنه سيضعنا في موقف محرج للغاية يجبرنا على الاعتذار له.. فهل يفعلها؟!. Hani_DH@ [email protected]