قبل فترة اتصل بي الدكتور بكري معتوق عساس هاتفياً، وأبلغني أن فترته بجامعة أم القرى - وهي الفترة الثانية - قد انتهت وانتهى معها عمله بها بعد ثمانية أعوام قضاها في رحابها، وأنه سوف يغادر الوطن في رحلة استجمام هي الأولى من نوعها بعيداً عن صخب العمل والاتصالات اليومية حتى خلال الإجازات العادية. وباعتباري صديقه وجليسه فقد سألته عن شعوره وهو يغادر المنصب، فأكد لي أنه يشعر براحة الضمير، مفسراً تلك الراحة بعدم قيامه مجاملة أحد على حساب أحد سواء في مسائل القبول بالكليات والأقسام أو الوظائف الإدارية، ومع ذلك فإنه يعلم علم اليقين أن كثيراً من الذين تعاملوا معه ظلوا غير راضين عنه، وقد يكون بعضهم قال فيه ما قال سواء في المجالس أو في وسائل التواصل، ولكنه يعتبر ذلك أمراً طبيعياً مستشهداً بقول ابن الوردي في «لاميته»: [ إن نصف الناس أعداء لمن ولِّي الأحكام.. هذا إن عدل] وكل من كلف بالفصل في حقوق عامة أو خاصة أو اختير للصلح بين متحامين فإنه قد «وُلِّي الأحكام»، فإن كان حكمه أو قراره لصالح طرف عاداه الطرف الآخر، إلا أن يكون من الذين تخضع رقابهم للحق والعدل. وذات يوم تحدث الدكتور العساس معي عن دقة وعدالة المعايير التي تطبق في جامعة أم القرى خلال عهده، فقلت له: ولكن هناك من يزعم أن بعض المخالفات والمجاملات تسير من خلف ظهرك، فلم ينفِ إمكانية حصول ذلك الأمر، ولكنه رد علي بقوله: لقد جاءني من قبل عشرات من الطلاب أو أولياء أمور الطلاب والطالبات زاعمين وجود مجاملات على حساب أبنائهم وبناتهم، فقلت لكل واحد منهم إن أعداد المقبولين سنوياً بعشرات الآلاف فإن كان لديهم اسم واحد تمت مجاملته على حساب ابن أو ابنة من أبنائهم أو بناتهم فإنه يطلب منهم تقديم معلومات عن الحالة ستظل سرية حتى يحقق فيها «لأن رِجْل الديك تجيب الديك» حسب المثل الشعبي المكي، ولكن أحداً منهم لم يتعاون معه بحجة أنهم لا يريدون الإضرار بغيرهم مع أن «غيرهم» قد ظلموا أبناءهم أو بناتهم حسب زعمهم، وأضروا بسمعة القبول والتعيين في الجامعة، ويعلق الدكتور العساس على عدم التعاون بأنه خرج من الجامعة قبل أن يُمَسِّكَه أحد رِجْل الديك! وأفتح المسألة لتشمل أي مسؤول يعين في موقع وظيفي ذي علاقة بالجمهور وأقول لهم جميعاً إن ذكرهم بخير أو شر مرتبط بمدة وجودهم في «المنصب»، فإن تركوه انقلب الناس إلى من يخلفهم فيه وتحدثوا عنهم قدحاً أو مدحاً، والأفضل لأصحاب المناصب أن يتعاملوا فيها مع الله وبما يرضي الله عملاً وليس قولاً فإن فعلوا ذلك فازوا وإن لم تحُز أعمالهم على ثناء بعض الناس، وإن لم يفعلوا خسروا وإن مدحهم المادحون والمنتفعون لأن ما عند الله هو خير وأبقى. [email protected]