كان بعض الناس في مدن الحجاز وربما مازال بعضهم يفعل ذلك يتركون الخيرة النبوية الشرعية عندما ينوي الواحد منهم اختيار عروس له أو يحاول أهل العروس التأكد من مناسبة العريس لابنتهم، ويذهبون إلى أشخاص يزعمون أن لديهم خيرة تقوم على «الحساب» وأن بإمكانهم تقديم نصيحة لأهل العروسين للمضي في عقد القِران من عدمه، وتلك الخيرة أو الطريقة تقوم على مربعات صغيرة عددها خمسة عشر مربعاً أفقياً ورأسياً فيطلب منهم اسم العريس واسم والديه واسم العروس واسم والديها، ويملأ «السيد» أو الشيخ المربعات بحروف أسماء الأسرتين، ويكون لكل مربع رقم مرتبط بالحرف الذي يملأ به فإذا جاءت المربعات متوافقة مع الحروف قيل لهم: توكلوا على الله فالعريس مناسب للعروس.. وهكذا تركت الخيرة الشرعية النبوية إلى نوع من الحسابات القريبة من الدجل أو التنجيم! ويقول أحد الأخوة إن والده توفي وترك خلفه إخواناً صغاراً وأخوات فرباهم حتى كبروا ولما أراد تزويج إحداهن على شاب تقدم لخطبتها طلب منه خاله شقيق والدته التريث حتى يتم إجراء الخيرة عند «سيد» عن طريق الحروف والحساب، فأعطاه اسم العريس واسمي والده ووالدته وبعد ثلاثة أيام اتصل به خاله محذراً من إتمام عقد النكاح لأن ما ظهر من الخيرة «المزعومة» يدل على عدم توافق قد يقود إلى الطلاق السريع، فانقبض قلب صديقنا وخشي على مشاعر أخته التي رباها مثل ابنته حتى تخرجت من الجامعة أن تصدم إذا نقل لها نتيجة الخيرة فاتجه إلى المسجد الحرام وصلى به المغرب والعشاء وهو مهموم فقابله صديق له من طلبة العلم الشرعي فلما قصّ عليه القصص قال له إذا كان العريس ابن حلال فاترك الخرابيط وقم أنت وأختك بالخيرة الشرعية ثم الله يقضي بما يشاء، ففعل ما نصحه به وأتم عقد القران ثم الزفاف الذي ما زال قائماً وناجحاً وموفقاً منذ ثلاثة عقود! ولما سمع «أبو هنية» الذي كان يعمل طباخاً في حارة العتيبية ضحك من «عقلية» من يتركون الخيرة النبوية ويبحثون عن غيرها، وتحدث عن تجربته في هذا المجال فقال: عندما أردت «خطبة» زوجتي صفية أصر جدي على الذهاب إلى «سيد» لعمل الخيرة الحسابية فجاءت النتيجة عدم وفاق وشقاق وطلاق، وكادت صفية تطير من يدي، ولكن والدي أصر على المضي في الخطبة وأقنع جدي بأن الخيرة النبوية هي الصحيحة، فقبل جدي على مضض وتم الزفاف، ولي مع صفية عشرون عاماً رزقني الله خلالها بهنية وسليمان وعبدالقادر وزكية، وقبل عام قابلت أبا هنية وقد تجاوز الثمانين ووصل إلى حافة التسعين وسألته عن أحواله وعن أحوال زوجه صفية فقال كلنا بخير وكذلك الأولاد والبنات، ولما ذكرته بالخيرة المشؤومة رد علي قائلاً: لسه فاكر؟ لقد أتممت نصف قرن من الزواج ولم أزل وصفية نعيش عيشة مرضية! وعلى أية حال فلعل انتشار التعليم بين الناس قد جعلهم، أو معظمهم على الأقل، يدركون أن ما كانوا يعتمدون عليه من خيرة حسابية ليست لها أصول شرعية، أما إن كان هناك من لا يزال يستخدم هذه الطريقة مفضلاً إياها من الخيرة الشرعية فليس في رأسه مخ ولكن مهلبية!! [email protected]