يحكى أن شريف مكة أيام حكم الأشراف لمكة اشترى فيلاً، وتأذى أهل مكة من الفيل حيث كان يؤذيهم في أسواقهم وطرقاتهم الضيقة، التي كانت تسمى بالأزقة، فقال أحدهم سأكلم الشريف في أمر الفيل، ولكن بشرط أن أحدكم يذكر الفيل وأنا أكمل الحديث، فلما حضروا مجلس الشريف لم يتكلم أحد فسأل الشريف عن سبب مجيئهم فلم يجيبوا حسب الاتفاق، فقال ذلك الشخص «الفيل ياشريف» فقال الشريف ما به الفيل قال «يحتاج إلى فيلة» ولعل مدلول هذه القصة واضح للعيان، فالمجتمع يعاني من حجم المجاملة الكبير، الذي يحول دون طرح المسائل حسب واقعها، وعرض ذلك على ذوي الشأن والاختصاص والمناصب ليروا الصورة على حقيقتها، فكم نخسر نحن بسبب تلك المجاملات الكثير الكثير، ومع ذلك نمتلك من الحجج والمبررات والأعذار الكثيرة والواسعة لتبرير تلك المجاملة، فقد نقول إن الخوف من غضب الشخص أو المسؤول أو تضرر وضعنا الوظيفي أو البعد عن المشكلات، وتجنبا للدخول في مواجهة مع المسؤول وغيرها من طابور المبررات التي نعتذر بها لأنفسنا تحت مظلة (السلامة لا يعدلها شيء). ونتيجة لذلك كم تضيع من الحقوق وكم يخسر الفرد والمجتمع من هذه الظاهرة، بحيث يظل الواقع لدى الأفراد والمجتمعات يعاني من سلبيات تلك المجاملات، التي غالبا ما تكلف غالياً وتسبب في الكثير من المشكلات والتبعات. ومعلوم أن في مقابل كلمة المجاملة تأتي كلمة المصارحة، ولكنها كلمة تكلف الكثير لصاحبها، الذي غالباً ما يعلم أنه بقولها سيعرض نفسه للمواجهة، وقد يتسبب ذلك في الإقصاء والحرمان وسيل من الأمور السلبية التي تنتظره. التي صورها قول الشاعر (ومن لم يصانع في أمور كثيرة… يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم) فقليل من الناس من يمتلك تلك الشجاعة في بيان الحق والمصارحة في عرض الحقائق، لكن مع الأسف يتحمل لوحده نتيجة ذلك. وما بين سندان المصارحة ومطرقة المجاملة يكون حال صاحب المنصب أو الجاه أو المكانة، قد غيب بقصد أو بدون قصد الحقيقة عن ناظريه، وفي غالب الأحيان قد تكون تصرفاته الناتجة عن تقريب من جامله على حساب الحق وإبعاد من صارحه في بيان الحق، وهو في حال منصبه لها انعكاستها السلبية عليه، حال فقد ذلك المنصب أو الجاه أو المكانة، وسرعان ما يكتشف أن أول من يشمت به أو ينال منه هو ذلك الذي جامله فأدناه وقربه، وإذا به يتنكر له وينال منه في أول لحظة يغادر فيها كرسي منصبه. ولعل بعضهم يقول: إن المثالية التي نطلبها من ضرورة المصارحة وترك المجاملة على حساب الحق، هي أمر صعب المنال في عالم قل فيه النصح والأمانة وكثرت فيه الانتهازية والتملق والمحاباة. ولكن سيبقى أن المصلحة العامة تقتضي أن يكون للمصارحة والمكاشفة – التي تجعل الأمور في نصابها الصحيح – حظها من الوجود لتستقيم الأمور وتصلح الأوضاع. والسؤال يطرح نفسه هل المجاملة هي السبيل الأمثل والأنجح لتجنب المصادمة، أم لابد من مصارحة قد تتسبب في مواجهة؟ ولكل واحد منا جوابه الذي يحتفظ به ساعة وقوعه في مثل هذه المواقف.