إذا اعتلى موظف كُرسيَّ منصب إداري أو مالي أو فني فأحس بالعزة وتعامل مع من حوله بالغطرسة وسعى جاهداً لإلحاق الأذى بالمراجعين وتعقيد معاملاتهم وتأخير إنهاء إجراءاتها النظامية وتعطيل مصالحهم بلا مبالاة، سواء أراد من ذلك الحصول على مكاسب غير مشروعة أم أنه أراد فقط إظهار ما له من مكانة وسلطة وظيفية، وأن القرار الإداري أو المالي في الجهة التي يعمل فيها بيده، ولا بد لمن لديه معاملة من المثول أمامه صاغراً وإسماعه ما يطرب له من كلمات ثناء وأن الناس تدعو له وتمتدحه وتتحدث عن كفاءته وقوة شخصيته إشباعاً لما يشعر به من غرور، حيث يفعل المراجع ذلك لكي يرقق قلبه القاسي فيوجه موظفيه بإنهاء إجراءات المعاملة التي جاء في طلبها ذلك المراجع، أو يظهر الآخر أن الثناء لا يهمه فيتمادى في تعطيل معاملة؛ لأنه يريد سماع المديح من شخص آخر يلوذ به المراجع ويكون المادح من الذين يرجى نفعهم المادي عند ذلك الموظف فيقول له: أمشيها عشان خاطرك يا أبا سعيد وإلا فإن معاملته غير نظامية! مثل هذا الموظف الذي اكتسب مكانته الاجتماعية من المنصب الذي تقلده، لا بد أن يشعر بعد تركه لذلك المنصب بأنه تحول من عملاق إلى قزم، وأن الهالة والأضواء وكلمات المديح التي كان يسمعها ليل نهار من أفراد المجتمع قد توارت عن الأنظار، فلا أحد يرفع السماعة أو الجوال عليه ولا يطرق بابه الكئيب، وإن شوهد في مناسبة أشاحت عنه الوجوه وتجاهلته النظرات التي طالما كانت تُتابعه بلهفة وأمل ورجاء الاستعانة من موقعه الوظيفي في إنهاء معاملة نظامية أو غير نظامية، وهذه الأحوال الجديدة تجعله يشعر بغصة التجاهل والهوان على الناس وقد يشكو لبعض أهله ما وجده من «جحود» فلا يجد من يستمع له حتى من أهله وإن تظاهروا أمامه بالسمع؛ لأنهم يعلمون كم آذى الناس وهو على الكرسي واستغل منصبه الوظيفي أسوأ استغلال، ولذلك فإن الموظفين الذين بهذه الصفات.. لا يستحق الواحد منهم أن يكرم؛ لأنه عزيز منصب ذل بعد أن ظل خلال عمله في منصبه يذل المراجعين عدد سنين! [email protected]