ضرب الإهمال بأطنابه في سوق ذي المجاز، أحد أسواق العرب الأدبية في الجاهلية، إذ لم يبق منه سوى أطلال وآثار بالكاد تحدد موقعه، على بعد 21 كيلومترا شرق مكةالمكرمة، على عكس ما يحظى به سوق عكاظ من اهتمام ورعاية الجهات المختصة في الطائف. وعراقة السوق الموغلة في القدم، بصفته أحد الأسواق الثلاثة الأشهر في تاريخ العرب، مع عكاظ وذي المجنة، كونه المحطة الأخيرة التي يجتمع فيها الحجاج قبيل توجههم إلى عرفات لأداء النسك، لم تشفع له بالحصول على اهتمام الجهات المختصة، لاسيما هيئة السياحة والتراث الوطني. ورأى عدد من المختصين في التاريخ أن تسوير السوق ووضع لوحة إرشادية عليه لا يكفيان لتعريف الناس بماض عريق ظل عقودا من الزمن محل افتخار العرب. وذكر أحمد خليل بادومان أن سوق ذي المجاز كان بمثابة ملتقى أدبي بين العرب في الجاهلية يتبارون في الشعر والفصاحة، مطالبا بتفعيله وإحياء المنافسات فيه على غرار ما يحدث في سوق عكاظ، ليكون واجهة ثقافية وأدبية للجميع في مكةالمكرمة، خصوصا ضيوف الرحمن، لأنه كان المحطة الأخيرة لهم قبل توجههم لأداء النسك. واستغرب بادومان الاكتفاء بتسوير موقع السوق بشبك ووضع لوحة إرشادية عليه، لافتا إلى أن الموقع التاريخي يستحق أكثر من ذلك، بدلا من تركه للإهمال. وقال: «من يرى الشبك محيطا بموقع السوق يعتقد لأول وهلة أنه أملاك خاصة، لافتقاده للوحات تعرف به، كما أن الموجود منها تآكل وتهشم بفعل الصدأ». وأفاد سلمان دهلوي بأن التمدد العمراني والسكاني أصبح يلامس الموقع، بل إنه استحوذ على جزء منه باعتبار جميع الوادي كان موقعاً لسوق ذي المجاز. وحذر من اندثار الآثار التاريخية في حال لم تحظ باهتمام الجهات المختصة، مطالبا بوضع لوحات تعريفية لسوق ذي المجاز، بصفته أحد الأسواق التي كان يقصدها النبي صلى الله عليه وسلم من أجل دعوة الناس إلى الإسلام. من جهته أوضح الباحث في التاريخ المكي عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى خالد بن عبدالله آل زيد أن سوق ذي المجاز كان أحد أهم أسواق العرب الموسمية التي تعقد في الأشهر الحرم قرب مكةالمكرمة وهذه إحدى مزاياه الزمانية والمكانية، لافتا إلى أنه كان يغص بالحجاج والتجار العرب الذين يفدون إليه في الأيام الثمانية الأولى من شهر ذي الحجة قادمين من سوق مجنّة، كآخر محطة يلتقون فيها قبل إجازتهم إلى مشعر عرفة بالقرب منه، ولهذا سمّي بالمجاز. وأوضح آل زيد أن السوق يتميز بموقعه الطبيعي المحمي في أحد شعاب جبل كبكب في شرق مكةالمكرمة (حاليا خلف مخطط الراشدية رقم 2)، ولا تزال بئره ماثلة للعيان ويردها الرعاة بمواشيهم إلى وقت قريب جدا، كما أن أطلاله باقية إلى اليوم، وهي خاوية على عروشها وتحيط بها أسوار هيئة السياحة والتراث الوطني لحمايتها من الأخطار والعبث. وأفاد آل زيد بأن جيش أبرهة الحبشي توقف عند ماء ذي المجاز أثناء حملته على مكة، في عصر الجاهلية، وجاء في إحدى الروايات أن جيش هوازن ورد ماء ذي المجاز قبل وقوع معركة حنين، ما يدل على أهمية هذا الموقع وإسهامه في مسيرة الحدث التاريخي وصناعته. وطالب آل زيد بتفعيل نشاط هذا السوق، إلى جانب سوق مجنة، وذلك على غرار سوق عكاظ، لاستقطاب الزوار والسياح للوقوف على آثاره.