أثناء التنقيب في تاريخ موقع من المواقع نجد أن هذا المكان يتميز عن غيره بما يحمل من صفات، فلكل مكان حكاية وقصة، لكننا حينما تجولنا في «عرنة» وأبحرنا في تاريخها وجدنا أن شيئا مختلفا كون هذا الوادي يكتنز تاريخا حافلا بالأحداث التاريخية، فهو أحد أشهر الأودية التي ذكرت في السير وورد ذكرها في مقتضيات الشريعة الإسلامية، وهو الوادي الذي قد يكون سببا في بطلان «حج» من قضى يوم عرفة في حدوده وداخل معالمه. شهد المكان تحسر فيلة أبرهة الحبشي، حينما قدم مكةالمكرمة ينوى هدم الكعبة المشرفة، ويعود تاريخ وادي عرنة لما قبل الإسلام، فيه صدع عبدالمطلب جد الرسول صلى عليه وسلم بقوله في مواجهة عزم أبرهة الحبشي هدم الكعبة «أنا رب إبلي وللبيت رب يحميه» فأصبح منذ ذلك التاريخ أحد أشهر الأودية في مكةالمكرمة، وضفتا هذا الوادي تفصلان بين مشعر عرفات والمشعر الحرام «مزدلفة» ويقع الجزء المقدم من مسجد نمرة في هذا الوادي وهو خارج عن عرفات وداخل في الحل وليس بمشعر وهو حد فاصل بين الحل و الحرم. وادي الخير والعذاب وادي عرنة من الأودية المعروفة لدى قدماء مكة بأنه وادي الخير والعذاب ويقال واد أوله خير وآخره عذاب وذهب القائلون بهذه التسمية والتي يعتبرونها وصفا مختصرا لوادي عرنة أنه سمي بوادي الخير كون سوق ذي المجاز التاريخي يقع فيه أو مسيل الوادي وكانت تقصده قبائل العرب للبيع والشراء واكتسبت مكة بذلك ميزة تجارية وكان موردا هاما لمكة بكل ما لذ وطاب، وسمي أيضا آخره عذاب نسبة إلى العذاب الذي نزل بأبرهة الحبشي وجيوشه حينما أراد هدم الكعبة المشرفة. سوق ذي المجاز «عكاظ» رافقت الباحث والمؤرخ وأستاذ التاريخ الدكتور فواز الدهاس المشرف على متاحف جامعة أم القرى، في جولة ميدانية على معالم وادي عرنة، وكانت البداية من سوق ذي المجاز الذي ظهر خاويا ولا يظهر منه سوى أسلاك شائكة وضعت لحفظ حدود السوق التاريخية والتي لم تمنع الإبل السائبة من تحويله إلى مراعي ما تسبب في سقوط واندثار بعض المعالم التاريخية التي لا يزال المتبقي منها يرى بصعوبة، عطفا على أن التعديات والمباني العشوائية أصبحت تحيط بالسوق من كل جانب. وأضاف الدكتور فواز الدهاس أن سوق ذي المجاز الذي يقع في بداية وادي عرنة تجتمع فيه قبائل العرب من جميع أطراف الجزيرة العربية من شمالها إلى غربها ومن شرقها إلى جنوبها ومن اليمن وبلاد الشام تبيع وتشتري وتتبادل السلع عبر قوافل التجارة التي تأتي من سوق عكاظ مرورا بسوق ذي المجاز وانتهاء بسوق مجنة بعد انقضاء موسم الحج، واعتبر الدهاس أن هذه فكرة رائدة للعرب واستطيع أن أقول أن السوق الأوروبية المشتركة من اختراع وفكرة العرب، كونهم أول من أنشأوا سوقا مشتركة في هذه الأسواق العربية سواء في أسواق «عكاظ» أو «مجاز» أو «مجنة» وأشار الدهاس إلى أن سوق ذي المجاز كانت تجتمع فيها كافة السلع في نوع من التكامل التجاري بين قبائل العرب، مبينا أن سوق ذي المجاز تقع بالقرب من جبل كبكب المطل على عرفات وهو موقع فيه ماء وهي سوق من أسواق العرب الشهيرة، وأطلق عليه ذي المجاز لأن إجازة الحج كانت فيه، وقد وردت هذه السوق في قصائد الشعراء وذلك لأهميتها، وتقام سوق ذي المجاز ما بين الأول من ذي الحجة والثامن منه حتى إذا جاء يوم الثامن من ذي الحجة وهو يوم التروية استعدوا للانطلاق إلى عرفات في التاسع من الشهر وهي من أسواق الحج التي يفد إليها الحجاج والتجار فيبتاعون ويبيعون، وأوضح الدهاس إنه إلى جانب سوق عكاظ اشتهرت سوق ذي المجاز بالشعر والشعراء والخطب بل أن كثيرا من أحداث الحروب القبلية تنطلق منها، ومن أعظم ما حفل به السوق من إحداث حضور رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه في أول دعوته حتى يبلغ دعوته. «محسر» وادي النار قصة أبرهة الحبشي وتاريخ سوق ذي المجاز دفعت بوفود الزوار والمعتمرين إلى الحرص على زيارة وادي عرنة للتعرف عن كثب على تاريخ الوادي الذي سطرته كتب المؤرخين، ويحرصون على توثيق زياراتهم بالصور من المواقع التي شهدت هذه الإحداث. وأوضح الدكتور فواز الدهاس أن مكةالمكرمة أكسب أهلها نوعا من القداسة والاحترام عند قبائل العرب ولهذا سيطرت مكة على تجارة العالم في ذلك الوقت، وكانوا يحاولون التخطيط لضرب هذه الاستراتيجية بهذه الحملة الموجهة لهدم الكعبة، وأردف بالقول عاد عبد المطلب إلى مكةالمكرمة بعد أن أطلق إبله وصاح بالناس يبلغهم بنبأ أبرهة الحبشي ودعاهم إلى الهرب لقمم الجبال المحيطة بالبيت الحرام، فهرعت قريش إلى جبال مكة تنتظر اللحظة التي يأتي فيها أبرهة الحبشي وجيوشه، ولكن الله سبحانه وتعالى أراد أن يجعله آية لمن أراد أن يؤذي هذا البيت مصداقا لقوله تعالى «ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم» وجاءت الطيور من البحر تحمل في أقدامها بمقدار حبة الحمص حجارة تضرب الرجل في رأسه وتخرج من دبره، وقتل جميع من هم في جيش أبرهة الحبشي، وأهلك الله سبحانه أبرهة وجيوشه في وادي محسر أحد فروع وادي عرنة، والذي أطلق عليه وادي «النار» كونه شهد مهلك معظم جيش أبرهة ولهذا يسن أن يهرول المار بالوادي ولا يسكنه. وذكر الدهاس أنه سمي بوادي محسر جاء في قول إنه لحجم الحسرة التي أصابت أبرهة الحبشي وجيوشه لما لحق بهم من عذاب، ويقال إنه سمي بوادي محسر بعد أن تحسرت فيلة أبرهة الحبشة فيه ولم تستطع التقدم باتجاه البيت العتيق.