دعا عدد من المهتمين بالتاريخ الإسلامي والعربي والتاريخ المكي للاهتمام بسوق ذي المجاز، لما له من تاريخ يعود إلى عهد ما قبل الإسلام، حيث كان له حضوره الأدبي في حركة الشعر أيام الجاهلية. كما كان لهذا السوق حضوره في المشهد أيضًا مع مطلع الرسالة المحمدية؛ حيث إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم وقف بعد مرات عديدة داعيًا الناس إلى الإسلام، سبب التسمية أطلق هذا السوق “ذي المجاز” لأنه يتم فيه تفويج الحجيج وإجازتهم منه إلى عرفات. وهو على مسافة ثلاثة أميال من عرفات بناحية جبل كبكب فيما رجّحت بعض الأقاويل أنه بمنى بين مكةوعرفات إلى ما وافق وناقض من أقوال أخرى.. وهذا السوق من ديار هذيل وهم أهله وجيرانه. ويقام حين يهلّ شهر “ذو الحجة” فينصرف الناس من سوق مجنة إليه، ويقيمون به حتى اليوم الثامن من ذي الحجة (يوم التّروية)، اليوم الذي سمي بذلك لأن الحجيج كانوا يرتوون فيه من الماء ويملأون أوعيتهم قبل انصرافهم لاحقًا إلى عرفة. موقع السوق هذا السوق كان يؤمه التجار وكل من يريد التسوّق، لموضع في سوق عرفة، وهو عبارة عن شعب يسيل من جبل كبكب غربًا حتى يدفع في وادي عرنة عند التقائه بوادي حنين، ويُبعد عن العلمين المؤشرين لحدود الحرم ثمانية كيلو مترات، والشعب ليس بذي مساحة كبيرة، فهو لا يزيد على عشرة كيلو مترات، وفي داخله توجد معالم وآثار قديمة تعود إلى تاريخ السوق قبل الإسلام، وفي بطن الوادي توجد بئر يطلق عليها العامة في الماضي “بئر المجاز” وهي متهدمة لا يزيد قطرها على نصف المتر. والمجاز يقع إلى شمال عرفة. وكانت العرب كلما أهلت شهور الحج (شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة) يخرجون إلى مواسمهم في عكاظ ومجنة وذي المجاز ثم عرفة ومنى، وكانوا يقولون لا تحضروا أسواق عكاظ ومجنة ذي المجاز إلا محرمين بالحج. وإذا مضت العشرون يومًا من أول ذي القعدة انصرفوا من سوق عكاظ إلى مجنة فيقيمون بها العشرة أيام الأخيرة من ذي القعدة، وإذا رأوا هلال ذي الحجة انصرفوا إلى ذي المجاز فأقاموا به ثماني ليال، أسواقهم قائمة للبيع والشراء وسائر الأغراض الاجتماعية والأدبية، وكان يجري في هذا الموسم ما كان يجري في مجنة عكاظ؛ بل كان يشهد اجتماع أكبر محفل عربي من مختلف قبائل العرب تفد إليه من اليمن وحضر موت وعمان والبحرين ونجد والحجاز وتهامة وبلاد الشام والعراق، ذلك أن موسم ذي المجاز آخر مواسم الحج التي يحل لهم فيها الجمع بين التجارة والنسك وإذا انصرفوا إلى عرفة ومنى يمتنعون عن التجارة. جهود متواضعة حول هذا السوق وتاريخه وما دار فيه ما أحدث في القرون الماضية، تحدث ل “الأربعاء” عدد من الباحثين، حيث يقول الدكتور سليمان كمال عضو التدريس بجامعة أم القرى المتخصص في النظم الإسلامية: أتذكر الدكتور ناصر الحارثي -رحمه الله- كانت له أبحاث عن السوق ذي المجاز نشر بعضها، كما أن الهيئة العامة للسياحة والآثار قامت بتشبيك المنطقة التي يقع فيها السوق. والسوق هو عبارة عن سوق جاهلي من ضمن عكاظ وذي المجنة وغيرها، وهو يقع غرب جبل كبكب. وجبل كبكب للذاهب إلى عرفة والمتجه بنظره للطائف شرقًا سيشاهد جبلًا كبيرًا جدًّا، وهذا هو جبل كبكب، وهو في ديار هذيل. وهذا الجبل تصب أشاعيبه في وادي عرنة، وهو ليس في الحرم وليس في عرفة، فهذا الشعب يسمى بذي المجاز وإليه نسب السوق. ويبدأ من أول يوم في ذي الحجة إلى اليوم الثامن، وهو يوم التروية. والحمد لله الذي أعطانا الحج بديلًا عن السوق؛ فالحج ليس عبادة فقط وإنما عبادة وتجارة. ويضيف الدكتور سليمان: سوق ذي المجاز يقع في منطقة ما يسمى بالمغمّس، وأنا هنا أشكر الهيئة العامة على تحديدها وتشكيبها للمنطقة، وأتمنى منها أن توجد كتابًا تعريفيًّا للموقع، كما تقوم بعمل التنقيب عن الموقع ليتم تحديد موقعه بدقة وهو ما سيتضح من خلال إيجاد قطع فخارية أو أثرية أو حتى نقود ومسكوكات وغيرها. وحول الجهود المبذولة لحماية المنطقة بوصفها من الآثار المهمة في المملكة يمضي سليمان في حديثه بقوله: مكتب الهيئة يقوم الآن بالتحرك ولكن بداياته لا تزال ضعيفة جدًّا، أما جامعة أم القرى فلديها من يستطيع التنقيب من الأكاديميين المتخصصين ولكن الإمكانات التي يمكن من خلالها التنقيب عن الآثار مفقودة لديهم، وينبغي الاعتراف أن جامعة الملك سعود قد سبقتنا في هذا الجانب، وما زالت هناك أسماء لامعة من جامعة الملك سعود تحديدًا قدمت لتاريخ الحجاز وحضارته الشيء الكثير. كتابات غير دقيقة ويقول الدكتور محمد الفعر عضو التدريس أستاذ قسم التاريخ في جامعة أم القرى تخصص نقوش وآثار إسلامية: ينبغي أن أشير هنا إلى أن السوق ذا الأهمية التاريخية الأولى هو سوق عكاظ برغم أن تاريخ هذا السوق لا يمكن تجاهله كما انني أؤكد أن الدكتور ناصر الحارثي -رحمه الله- وبرغم احترامي لكل ما قدّم من تاريخ لمكة ومنطقة الحجاز بشكل عام والذي لا يمكن أن يغفله أحد إلا أن كتابته عن هذا السوق لم تكن دقيقة جدًّا. وسوق ذي المجاز هو سوق أقرب إلى الحج إذ لم يكن مستقلًا كما هو الحال لدى بعض الأسواق ومنها سوق عكاظ، والذي كان يقام في مواسم مختلفة. أما ذي المجاز فهو ينتهي ببداية الحج. وقائع كثيرة المشرف على وحدة المتاحف بجامعة أم القرى الدكتور فواز بن علي الدهاس اكتفى بالقول: لقد أثرت وقائع كثيرة مما كان يجري في ذي المجاز أيام انعقاد موسمه ولعل من أهمها الدعوة إلى الإسلام فقد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في الجاهلية يسير في سوق ذي المجاز وهو يقول: (يا أيها الناس قولوا لا إله الله تفلحوا)، وفي رواية أخرى أنه كان صلى الله عليه وسلم يتتبع الناس في منازلهم يدعوهم إلى الله وأنه كان في مقتبل الدعوة يعرض نفسه على قبائل العرب كل موسم. منبر أدبي وسوق تجاري عضو التدريس بقسم التاريخ بجامعة أم القرى الدكتور طلال البركاتي قال: مثل هذه الأسواق موجودة في الكثير من مصادر وكتب التاريخ الإسلامي، وعندما بحثت عنها وجدت أن كل كتب السيرة النبوية تناولت هذه الأسواق وهي أسواق موسمية ولها أوقات محددة وكل سوق يقام مع انتهاء السوق الآخر، فكان العرب يبدؤون بسوق عكاظ في منتصف شهر ذي القعدة وحتى نهاية ذي القعدة، وفي بداية ذي الحجة ينتقلون إلى ذي المجاز حتى اليوم الثامن من ذي الحجة، وكان العرب يصفون الأيام التي يقضونها في سوق ذي المجاز بالأيام الثمان بحيث يقولون “واحد ذي الثمان واثنين ذي الثمان.. إلى الثامن ذي الثمان)، ومن خلال استطلاعي وقراءاتي لاحظت أن مثل هذه الأسواق تقام في الأشهر الحرم لأن طبيعة التعامل التجاري والبيع والشراء يتطلب الأمن والاستقرار والعرب قبل الإسلام كانوا يعظّمون هذه الأشهر الحرم ويحرّمون القتال فيها؛ وبالتالي يأمن الناس على بضاعتهم وعلى تجارتهم فيقيمون هذه الأسواق في هذه المواسم، فهم يبدؤون في عكاظ إلى أول يوم في شهر ذي الحجة لينتقلوا بعدها إلى سوق ذي المجنة ويستمرون فيه حتى الثامن من ذي الحجة ليتوقفوا بعدها لأداء الحج وعند انتهاء الحج ينتقلون إلى سوق مجنّة، واستمرت هذه الأسواق في الإسلام، وكان النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يرتادها لا ليبيع ويشتري وإنما ليعرض نفسه أمام القبائل ويدعو إلى الله. ويختم البركاتي بقوله: ينبغي أن أشير هنا إلى أن مثل هذه الأسواق لم يكن يغلب عليها الطابع التجاري والديني فقط؛ بل كانت منابر أدبية إذ كان يرتادها الشعراء ويتناولون القصائد الشعرية المعروفة والمشهورة في مثل هذه الأسواق. والمدهش الذي ينبغي أن أشير إليه أيضًا إلى أن أهل مكة وإلى عهد قريب كانوا يحددون الأيام الثمان من مطلع شهري ذي الحجة وتجري على ألسنتهم بقولهم “وحده ذي الثمان، اثنين ذي الثمان، ثلاثه ذي الثمان، الخ..). يشار إلى أن سوق مجنة يقع في موضع قرب جبل يقال له الأصفر بأسفل مكة، وكانت مدة هذا السوق عشرة أيام فإذا حل ذي الحجة ساروا إلى (ذي المجاز) وهو سوق آخر مدته ثمانية أيام، يقع في موضع على فرسخ من عرفة. وقد كان العرب يبدأون موسم الحج بهذه الأسواق المذكورة وقد ارتبط اسمها باسم الحج، وكادت تكون إحدى شعائره في الجاهلية. بزيارة “الأربعاء” لموقع السوق وقف على جملة من الملاحظات متمثلة في: احتواء المواقع على حجارة تحتوي على أكثر من معدن فلزي. الحجارة مائلة إلى اللون الأسود مما يرجح أنها ذات طبيعة بركانية. وجود الكثير من الحجارة الصغيرة فوق بعضها مما يضع علامة تشير إلى أن هناك مباني أثرية أو ما شاكلها اندثرت. تم تشبيك الموقع من قبل الهيئة العامة للسياحة والآثار مع عدم وجود علامة للهيئة هناك. الأمطار الأخيرة التي هطلت على مكةالمكرمة أحدثت فجوات أرضية مما يؤثر في الموقع الأثري سلبًا إضافة إلى تهالك بعض أجزاء الشبك. لوحظ أيضًا وجود للأثر الآدمي من خلال رمي بعض المعلبات والنفايات، إضافة إلى وجود دافور وبعض مخلفات النيران في الموقع. هناك آثار لإبل تمر في الموقع والشاهد عليها آثار أقدامها وبعض الخزانات الموجودة في الموقع. الخط المؤدي إلى القرية الهذلية التي تقع خلف الموقع يقسم السوق الأثري إلى قسمين مما يضع تساؤلًا هل من الممكن تسوير الموقع كاملًا وتحويل الخط إلى مكان آخر خصوصًا أن هناك خطًا رديفًا للموقع ولكنه غير معبّد. عدم وجود أي دلالات تعريفية بالموقع للزائر.