على غرار الكثيرين، غادر ميلفوت كاراتاس قريته في الأناضول ليستقر على التلال التي تقع على حدود إسطنبول، ممتهنا تجارة الزبادي أو «البوظا»، وهي مشروب تقليدي مخمر معروف لدى الأتراك. ولكن إسطنبول يمتد فيها العمران بسرعة، وبينما أصدقاؤه يوسعون منازلهم ويتزوجون، يقضي «كاراتاس» سحابات حياته متسكعا حالما في الشوارع كبائع متجول، وشاهد على عالم متحول. وحتى وإن لم تنجح مشاريعه التجارية ورسائل حبه التي يبدو أنها ما كانت تصل أبدا إلى وجهتها، فإنه سيرفع التحدي المتمثل في جعل حياته تسير وفق أحلامه الصغيرة. ومن خلال أصوات «كاراتاس» وأبناء عائلته وأصدقائه يعدد أورهان باموق وجهات النظر واصفا بروز مدينة إسطنبول الضخمة والرائعة خلال سنوات الخمسينات من القرن الماضي. هذا «الشيء الغريب في أعماقي» هو في آن واحد المدينة والحب، قصة مؤثرة لرجل عزم بإصرار استثنائي على أن يكون سعيدا. رسم أورهان باموق لوحة جدارية غنية بالتفاصيل المعمارية والثقافية والسياسية والعاطفية تمنحنا شحنة من الحنين والعاطفة الدافئة. كما تقوم بوظيفة توثيقية لتجارة مشهورة في تركيا وضاربة الجذور في تاريخها العثماني، من خلال أسرار هذه الحرفة، وكذا طريقة عيش أصحابها، وطموحاتهم، وأحلامهم المتواضعة لبائعي «البوظا» عامة ولبائع متجول بسيط في إسطنبول يدعى ميلفوت يقدم أورهان باموق الجانب الشخصي اللطيف، وخفة دمه ورومانسيته الجارفة. يستكشف باموق في روايته الجديدة بموهبته الحكائية المعتادة وقدرته على توظيف التاريخ الرسمي وسير الناس البسطاء، مركزا أيضا على المناظر الطبيعية والعمرانية، باعثا روح إسطنبول الشعبية، وكأنها أمام فيلم وثائقي حيث يتدفق الزمن ما بين 1968-2012 الحيز الزمني المعاصر لمدينة تمثل تركيا الحديثة والمعاصرة! يفتتح أورهان باموق روايته الجديدة «هذا الشيء الغريب في أعماقي» الصادرة حديثا عن دار غاليمار بدليل عن شجرة عائلة ميلفوت كاراتاس، وفهرسا، وجدولا زمنيا قد يثبط القراء ويجعلهم مترددين أمام رواية تزيد على 680 صفحة. لكن إذا تحلى القارئ بالصبر، فإنه سيلتقي بشخصية ميلفوت كاراتاس اللطيف والمرح، والساذج، والجميل. سيتعرف على بائع متجول سيقرر بعد دراسة سريعة في إحدى الثانويات مصاحبة والده في التجارة. سيعجب القارئ بروحه المتفائلة وبقدرته على تجاوز بعد مرحلة الطفولة الريفية (سيصل في ال12 إلى إسطنبول)، وبذلك سيتمكن من معرفة جغرافيا المدينة معرفة عميقة، وسيتمكن من حفظ روائحها، وطقسها، وأسرارها. لكن حكاية باموق لا تقتصر على هذه الجوانب وإنما ستهتم بحدث مثير كان بطله ميلفوت الذي سيتمكن في يونيو من عام 1982 من اختطاف فتاة من قرية غوموسدير في قرية بيشهير في محافظة قونية. كانت ميلفوت قد رآها للمرة الأولى قبل أربع سنوات في إسطنبول. خلال حفلة زفاف كوركوت، ابن عمه الأكبر. وبعد مراسلات دامت أربع سنوات سيقرر اختطافها لكن بموافقتها. ومن هنا سنشهد أحداثا مثيرة لكنها مفعمة بالرومنسية والحب.