قد يكون هذا المقال متأخرا في توقيته ولكنني فضلت تأخير الكتابة عن الفنان الراحل عبدالحسين عبدالرضا لأن حزني بفقده كان عظيما ولم أكن أفضل الكتابة عنه تحت ضغط العاطفة الشخصية، فعبدالحسين ظاهرة فنية وثقافية إنسانية تستحق أن تأخذ حقها في القراءة والتأمل بعيدا عن العواطف. كان أبو عدنان -رحمه الله- مدرسة فنية وإنسانية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ولم أعرف أحدا في حياتي قويا في مواجهة الأمراض المتلاحقة مثله، بل إنه يحول المرض إلى ملهاة عظيمة وفرصة للتندر والهزل، وكنا نضحك بعمق على أوصافه العجيبة للآلام والأعراض التي يمر بها، وفي مرضه الأخير كنا رفقاء سفر في لندن، حيث انشغلنا بالإعداد لعمل رمضاني من بطولته والفنانة القديرة سعاد عبدالله، ولم يكن يستفزه شيء مثل طلبي منه أن يرتاح من التفكير في العمل حتى ينتهي من عمليته المعقدة، فقد كان يرى أن عمله وفنه هو الدليل الأكيد على تعافيه وليس تقارير الأطباء، وقد غادرت لندن قبل أن يدخل المستشفى واتصلت عليه مع أخي الفنان ناصر القصبي بعد خروجه من العملية قبل وفاته بأيام، حينها ضحكنا بشكل هستيري على تعليقاته الطريفة وهو ما زال على سرير المرض، وكان يلح علي بأن أعود له بأسرع وقت كي نكمل العمل، فهذا ما كان يهمه في تلك اللحظة وليس حالته الصحية. قبل ذلك كنت قد حضرت أكثر من حفل تكريم ل(أبو عدنان)، مثل تكريمه في الكويت بعد افتتاح مسرح باسمه، أو تكريمه في الإمارات برعاية رجل الأعمال خلف الحبتور، وكنت أستغرب حقا من تحول هذا الفنان العملاق صاحب الشعبية الكاسحة والمزاج الحاد المتقلب إلى طفل بريء شديد الامتنان لمن يقدرون فنه. وإذا كان البعض يضع عبدالحسين كضلع ثالث للكوميديا العربية مع عادل إمام ودريد لحام، فإنني على المستوى الشخصي أضع عبدالحسين في خانة لوحده، فمع تقديري لكل تجربة وظروفها وعطاءاتها الكبيرة إلا أن عبدالحسين كان يضحكني أكثر، فهو خزانة خرافية من الكوميديا الفاخرة وجبل شاهق من السخرية المجنونة، ولعل من أهم ميزات (أبو عدنان) أنه لم يكن يتكئ على نجاحاته السابقة، حيث لم يكن يتوقف عن العمل تحت أي ظرف، ولذلك خلف كما هائلا من الأعمال المسرحية والتلفزيونية والغنائية والإذاعية لا أظن أن فنانا معاصرا ينافسه فيه من حيث الكم الهائل من العطاءات الفنية. وإذا كان ثمة مواصفات جسدية معينة عرف بها الفنان الكوميدي من أيام شارلي شابلن إلى يومنا هذا ليس بينها الوسامة والصوت الجميل، إلا أن الله أعطى (أبو عدنان) ما لم يعطه غيره من نجوم الكوميديا، وهذا ما ساعده على القيام بأدوار لا يستطيع أن يقوم بها غيره من أبطال الكوميديا التقليديين. واذا كان الفنان الاستثنائي يعكس صورة مجتمعه في مرحلة معينة، فإن عبدالحسين قد يكون انعاكسا صادقا للكويت أيام الزمن الجميل، حيث كان -رحمه الله- بحرا متلاطما من التسامح والمرح والإصرار على الريادة والتميز.