(لو كان بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت)! هذه العبارة البليغة ذات الدلالات البعيدة، تنسبها كتب التاريخ الإسلامي إلى الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان، وهي بلا شك عبارة تمثل بصدق ما كان يتمتع به معاوية من ذكاء اجتماعي، وحرص على التواصل الإنساني الجيد، وقدرة على الاحتفاظ بعلاقات ناجحة مع الآخرين. النجاح في الحوار والقدرة على النقاش الإيحابي وإيصال الأفكار للآخرين بسهولة، مهارات تمثل أس النجاح في تحقيق الأهداف، سواء كانت أهدافا سياسية أو اقتصادية أو فكرية أو غير ذلك، وهي مهارات عليا لا تتوفر بسهولة لدى كل أحد، لأنها ترتبط بالذكاء الاجتماعي أكثر من ارتباطها بالتعلم، لذلك هي لا توجد لدى الناس بمقدار واحد. كلما كان الإنسان متسامحا، مرنا في مواقفه، لا يضيره تقديم بعض التنازلات، قادرا على الفصل بين العمل وذاته، ومتقبلا وجهات النظر الأخرى المختلفة بلا تذمر، ناظرا إلى المهمات التي يقوم بها نظرة شمولية، كان أكثر قدرة على النجاح في العمل ضمن فريق، فالعمل الجماعي، يقتضي نسيان الذات الخاصة، والذوبان في ذات الفريق، فلا تشبث برأي فردي، أو توقع تلقي ثناء خاص، أو نسبة فضل إلى الذات، لا شيء من ذلك، وانما هو الفريق فحسب. غالبا الأشخاص الذين تنقصهم مهارات العمل الجماعي، يفشلون في العمل مع غيرهم، وهذا لا يعني أنهم سيئون، لكنهم لا يحسنون التواصل مع الآخرين، فهم ينتظرون من الآخرين أن يتقبلوا منهم كل رأي يبدونه، وأن يعجبوا بكل عمل يقومون به، وإذا لم يحدث ذلك دائما، وهو أمر متوقع، استاءوا وغضبوا وانعكس ذلك على سلوكهم، خاصة حين يختلف معهم غيرهم، فهم لا يعرفون كيف يتناقشون، ولا كيف يدافعون عن وجهة نظرهم، أو يعرضون ما لديهم من مسوغات، وعجزهم هذا يجعلهم يضيقون بأنفسهم وبمن حولهم، فيغطون عجزهم بالغضب والتهديد بالانسحاب، أو يحولون الأمر إلى صراع وعداوة فيما بينهم. هذا النوع من الشخصيات متعب في التعامل معه، أشبه بطفل سريع الغضب، إن لم تأخذ برأيه وتحقق له ما يريد، هاج وانفعل وهدد بالتخريب أو الاعتزال. إن من أهم مهارات العمل الجماعي الجيد البعد عن الانفعال، وعدم الربط بين العمل والذات، وترك الحبل الذي يربط المجموعة مرخى غير مشدود، ورحم الله معاوية وشعرته التي لا تنقطع. [email protected]