من الصور السارة ما أخذ يظهر أخيرا في سوق العمل من تنافس حاد بين الشركات وجهات العمل المختلفة، على استقطاب المواطنين المميزين من الشباب الأكفاء للعمل معها. إلا أن بعض أصحاب الأعمال والشركات الوطنية الصغيرة يشتكون من منافسة الشركات الكبرى لهم على استقطاب أولئك الشباب؛ فهم - حسبما يقولون - يبذلون جهدا كبيرا في البحث الدقيق عن المميزين من المواطنين ذوي الكفاءة والمهارة والجدية والانضباط، ويقضون وقتا طويلا في إجراء المقابلات معهم وتقديم بعض الاختبارات الخاصة لهم لتصفيتهم واختيار الأفضل من بينهم. لكن هذا الاعتناء باختيار العاملين، سرعان ما تتبدد نتائجه فيضيع بلا جدوى. فما يحدث غالبا هو أن أولئك الشباب المميزين الذين تعبت الشركة في اختيارهم وتنقيتهم، لا يلبثون طويلا على رأس العمل، فهم سرعان ما يجدون عروضا مغرية من الشركات الأجنبية الكبرى، فيتركونهم ليلتحقوا بها. أصحاب الأعمال والشركات الوطنية الصغيرة يرون أنفسهم ضحايا لمنافسة الشركات الأجنبية الكبرى، التي تغري موظفيهم المميزين وتخطفهم بعيدا عنهم، ويطالبون بحمايتهم من تلك المنافسة، فهم يريدون أن يحتفظوا بالصفوة المنتقاة من أبناء الوطن وأن يستفيدوا من جهدهم وعلمهم، دون أن تكون هناك منافسة بين الشركات على استقطابهم فيضطرون إلى تقديم مزيد من المغريات الجاذبة للشباب. لكن هذه المنافسة هي لصالح الشباب من المواطنين، وهي الحافز الأكبر الذي يدفع بهم إلى الاجتهاد في صقل مهاراتهم ومضاعفة اكتسابهم للخبرات والمعرفة، ومن الخير أن تظل المنافسة على اقتناصهم مشتعلة بين الشركات وجهات العمل المختلفة، فما أمات همة العاملين في الوظائف الحكومية سوى (المساواة) بين العاملين في الأجر وغياب الحوافز، فالجميع في الوظائف الحكومية متساوون، المجتهد والمقصر، والأمين والفاسد، والمطور لمهاراته والباقي على حاله. هؤلاء الذين يطلبون حمايتهم من منافسة الشركات الكبرى التي تخطف الموظفين المميزين منهم، ماذا قدموا هم لموظفيهم من الإغراءات والحوافز الجزلة كي يستبقوهم على رأس العمل؟ أم أنهم يريدون أن يحتفظوا بالصفوة المميزة من أبناء الوطن وأن يستفيدوا من جهدهم وعلمهم دون أن يدفعوا ثمن تميزهم؟. [email protected]