نسمع في كثير من حواراتنا عبارة «هذا رأيي»، أو «دعني أعبر عن رأيي»، وهذا أمر جيد ويعبر عن حالة الوعي الجماعي ويكشف عن مرحلة التعافي من أمراض الوصاية ومصادرة حقوق الناس في التفكير والتعبير التي استمرت حقبة زمنية طويلة فتّت عضد الأجيال وأعيت رواد الحركة الفكرية والثقافية في الوطن العربي. إن العبارات والمصطلحات تنتمي بطبيعتها إلى محيطها الثقافي وتتأثر بعوامل المعرفة والقيم المشتركة والعادات، وتلك هي محددات المفاهيم العامة والخاصة في المجتمعات، ولعل هذه التوطئة البسيطة تفتح نافذة التفكير أمام عقولنا لتحرير مصطلح الرأي وإزلة بعض الشوائب الثقافية العالقة به من جراء الصراع للخروج عن هيمنة الاستبداد الثقافي. حرية الرأي والتعبير من أهم سمات المجتمعات المتقدمة وهي على الأرجح حقوق مكفولة بالنصوص الشرعية والقوانين الوضعية والمواثيق والأعراف الدولية وجزء من منظومة الأخلاق الإنسانية، ويعد الاستمتاع بهذا الحق على نطاق واسع وتقبل فكرة الرأي الآخر مهما كان مختلفا مظهرا حضاريا ولغة راقية في الحوار وتداول الأفكار، وحتى نصنع رأيا حصيفا أو موضوعيا فحري بنا معرفة تكوين وتشكيل الآراء بحسب المكون الثقافي والديني والقوانين المتبعة والأعراف الاجتماعية لكل دولة ومجتمع. إن أكثر الناس في المجتمعات العربية يعتقدون أنهم يعبرون عن آرائهم، وإنما هم يعبرون عن انطباعات لا ترتقي إلى مستوى الرأي، وبطبيعة الحال فإن الانطباع مفهوم مختلف عن الرأي وإن كان البعض يعده النواة الأولى والمرحلة المبكرة لتكوين الرأي، إلا أنه يظل عبارة عن ردة فعل أولية لا تخرج عن دائرة الانفعالات العاطفية. الانطباع أثر يحدث بسبب أمر ما، وهو عبارة عن ردة فعل عاطفية ثؤثر على العقل وينتج عنها صورة ذهنية تكون أحياناً مصادفة للواقع والصواب وفي أحيان كثيرة تكون مضللة، ويصعب الانعتاق من الانطباع الأول خصوصاً إذا جاء مرادفاً للتوقعات والصور الذهنية المسبقة. أما الرأي فهو بمثابة الإدراك بحاسة البصر، وحين يُقال إن فلانا كون رأياً أو صاحب رأي هذا يعني أنه أدرك الأمر بعين العقل كما يُدرك البصر رؤية الأشياء بوضوح. ومن هنا يمكن القول إن تكوين الرأي لا يكون إلا من خلال استحضار أدوات ثقافية معينة ومهارات ذهنية تنشأ في مناخات أسرية تُدرك أهمية الرأي وتعي حجم مسؤولية تربية الأطفال وتأهيلهم لخوض غمار الصراع الثقافي والاجتماعي، ويكون من خلال المؤسسات التعليمية والثقافية والاجتماعية التي بدورها تقوم بتنمية وتصحيح وتوجية هذه المهارات بشكل يتماهى مع الحراك الاجتماعي لتصبح هذه المؤسسات مفرزة للقدرات والشخصيات المستقلة القادرة على التأثير والتأثر ورؤية الأشياء طبقاً لذواتها لا طبقاً للميول والرغبات. [email protected]