كثيرون هم الذين يتذمرون من فوضى المرور، وتأخر سير المعاملات، وفضاضة المتعاملين مع الجمهور، وعدم احترام المسؤوليات، وعدم الالتزام بالأنظمة، وشيوع التعامل بالواسطة، وغير ذلك من انحرافات ومشكلات سلوكية تنغص العيش وتعرقل الإنجاز، ويصحبها التوتر والضيق والنكد. كلما اصطدم الناس بشيء من ذلك، شعروا بالسخط يملأ نفوسهم ودبت النقمة في قلوبهم، وأخذوا يلومون من يرونه مسؤولا عما أصابهم من المتاعب، فهم يؤمنون أن تقصير الموظف المسؤول وإهماله لأداء واجباته بشكل سليم مرضٍ، هو السبب فيما يحدث لهم من معاناة ومشقة وعرقلة في قضاء الحاجات. تكرر ظهور السخط والتذمر والشكوى بين الناس، لم يغير شيئا من واقعهم المتعب، فالمزعجات باقية كما هي بلا زوال، بل ولا حتى محاولة للتصحيح والتغيير. وغالبا في مثل هذه المواقف، تجد الناس يوجهون اللوم للموظف المسؤول عن التقصير، لكن الموظف المسؤول الذي يثير غضب الناس ويبعث فيهم التبرم والسخط، مجهول الهوية، لا يمكن معرفته ولا ضبطه، فهو يتنكر في زي المتذمرين أنفسهم، يندس وسطهم ويختبئ بينهم ويمارس مثلهم السخط والتذمر والبحث عن الموظف المسؤول عن التقصير. كل فرد من الناس يحمل على عاتقه مسؤولية أداء مهمة ما، ثم يقصر في أدائها يكون هو ذاك المسؤول المقصر الذي يبحث غنه المتذمرون. كثير من المتذمرين ينسون أنهم يلعبون لعبة تبادل الأدوار فيما بينهم، فغالبا يكون الباحث عن المسؤول المقصر في المكان (أ) هو نفسه مسؤول مقصر جارٍ البحث عنه في المكان (ب). فالعلة ليست في مسؤول بعينه قدر ما إنها في السلوك العام السائد بين كثيرين. لو أن أولئك المتذمرين كانوا جميعهم ملتزمين بأداء واجباتهم، أمينين في التقيد بالوقت والنظام، لما شعر أحد بالحاجة إلى البحث عن المسؤول عن التقصير. [email protected]