بين مشاعر التذمر ومشاعر الرضا تقع المؤسسة سواء أكانت حكومية ام اهلية. كما تتجاذبها تيارات السخط والذم لاعمالها وخدماتها تارة، وتيارات الرفض من قبل القائمين عليها لكل ما يؤثر على سمعتها من اقوال او ردود فعل تجاه تقصيرها في الاداء. وقد يغيب عن اذهان الرؤساء والمرؤوسين فيها الاهمية والفائدة الكبيرة التي تؤدي اليها تيارات السخط والتذمر وما تقذفه الالسن من اقوال الناس الساخطين. وبعكس ما يشعر به القائمون عليها من غضب وامتعاض لما يقال وما يثيره المتذمرون. فان مشاعر التذمر وعدم الرضا يمكن ان تكون سبيلا الى اصلاحها وتطويرها. وذلك بعد حصر اسباب التذمر والتحقق من تلك الاسباب من خلال الاتصال الايجابي بالمتذمرين والاصغاء الى اقوالهم ورصدها وتحليلها والاخذ بما فيها مأخذ الجد ودراسته بحيادية وموضوعية مما يمكن القيادة العليا في المؤسسة من اكتشاف مواطن الخلل ومن ثم العمل على اصلاحه بكافة السبل التطويرية بدءا بتدريب القوي البشرية العاملة واستبدال بعض العناصر البشرية غير الكفؤة وتوفير متطلبات المؤسسة من تجهيزات وتطوير الانظمة الادارية لتواكب مستجدات العصر ومتغيراته وكل ذلك في سبيل تقديم خدمات افضل ترضي العملاء والمستفيدين والمستهلكين لخدماتها. يحدث ما تقدم في المؤسسات المتطورة التي تصبو الى مزيد من التطور والتقدم. انها مؤسسات جديرة بالبقاء وجديرة بالتقدير فهي ترى في النقد الموجه اليها وسيلة للتعرف على ما يعيق مسيرتها ويهدر اموالها ومقدراتها. ان مديري مثل هذه المؤسسات يثبتون بشجاعة نفسية وثقة في الذات ويتمتعون بروح معنوية عالية. ولا يقلل من جهودهم اعترافهم بالخطأ والعمل على تلافيه بل ان ذلك سيمنحهم مزيدا من الثقة في الذات ومزيدا من التقدير.اما المؤسسات التي تثور قياداتها اذا سمعت اقوالا ساخطة عليها، متذمرة من فشلها فانها تعتبر مؤسسات فاشلة. تشكل عبئا ماليا واجتماعيا وثقافيا على الوطن. في ظل رؤساء لا يقيمون وزنا للرأي العام ولا لآراء الآخرين. واذا كتبت الصحافة عن مؤسساتهم بما لا تهوى نفوسهم فان ردود فعلهم تكون هوجاء لتتهم من ينتقدها اتهامات شخصية باطلة. وفي ظل غياب الرقابة الادارية تكون هذه المؤسسات في مأمن من العقاب الاداري فتسرح وتمرح وتنتهك الانظمة الادارية والمالية والفنية وهي في اطمئنان وتقول لمنتقديها "طز" هذه المؤسسات توجد في كثير من البلدان خاصة النامية. اما التذمر او "فلسفة التذمر" فان تأثيرها السلبي على سمعة الدولة كبير جدا رغم ان قيادة الدولة حريصة كل الحرص على عدم وجود التذمر. وتأثير "فلسفة التذمر" يتخذ ابعادا خفية تتراكم في الاوساط الاجتماعية بشكل عام والاوساط المثقفة بشكل خاص. وكلما أهملت المؤسسات المقصرة والتي تنتشر بسبب سوء ادارتها مشاعر التذمر من المتابعة والرقابة والتحقق وعدم اخذ الرأي العام بعين الاعتبار ادى ذلك الى التذمر العام ضد الوطن وسمعته. فلماذا تترك بعض المؤسسات دون متابعة ودون رقابة ودون عقاب وهي تؤدي باعمالها المتدنية وخدماتها السيئة الى ما يسىء الى الوطن قيادة وشعبا؟ ان تذمر افراد المجتمع من اية مؤسسة ينبغي ان يكون محل عناية تامة واهتمام كبير لدى اصحاب القرار في المجتمع. وليكتشفوا من خلال التذمر واقوال السخط المؤسسات وقياداتها واعمالها الرديئة التي تسبب سخط الناس وتذمرهم.وتعتبر "فلسفة التذمر" من الامور الفلسفية في علم النفس الاجتماعي. وقد يؤدي الى نتائج وخيمة على امن الوطن وسلامته وعلى اهدار المال العام. ان الوطن في تطور شامل ونمو كبير وابرز تطوراته الوعي الثقافي والاجتماعي مما يحتم الارتقاء بالمؤسسات المختلفة واختيار اكفأ العناصر البشرية المؤهلة والمدربة لقيادتها وعدم ترك الحبل على الغارب لمن لا يصلح لادارتها. ان اجيال "الانترنت" واجيال الحاسبات الآلية والفضائيات التلفازية يشكلون اكبر حجم سكاني من الفئات الأخرى من السكان ولكم الرجوع الى الارقام الاحصائية. هذه الاجيال تطلع على كل ما ينشر في هذه الوسائل وتدرك ما يطرح فيها من معلومات وحوارات فاصبحت اكثر وعيا واكبر قدرة على الفهم والاستيعاب وان تذمر شريحة من المجتمع سواء من هذه الاجيال او غيرها لا يقتصر تحركه على المجال المحلي بل انه يتحرك على مستوى المجالين الاقليمي والعالمي سواء رضينا ام ابينا. ولم تعد انظمة المطبوعات التي تمنع كتابا ناقدا لاوضاع المؤسسات في اي بلد قادرة على منع معلومات ذلك الكتاب من الوصول الى ابناء المجتمع في ذلك البلد. فهل نعي المتغيرات المعلوماتية والفكرية والثقافية وهل سنستمر في ارضاء المتنفذين والمستغلين للصلاحية الممنوحة لهم في الاساءة الى الوطن مما يسبب موجة السخط والتذمر في صفوف الناس. لقد ضاعت مصالح بعض المواطنين في بعض المؤسسات بل وضاعت اعمار بعض المواطنين حزنا واسى على خيبة آمالهم.ويتجه الرأي في هذا المقال الى تأسيس جهاز فعال لجمع المعلومات عن كل مؤسسة وجمع الاقوال الساخطة والمتذمرة التي تسري في المجتمع مثل النار في الهشيم لترفع الى اصحاب القرار لمحاسبة المؤسسات وتغيير القيادات كل اربع سنوات لتدخل دماء جديدة الى المؤسسات الحكومية والاهلية اكثر نقاء واكبر كفاءة وتطورا.