المفروض أن نعيش فرحة كبيرة بمناسبة خبر اكتشاف كميات كبيرة من النحاس في هذا الوطن الكريم. وهذه نعمة عظيمة لأن النحاس من أروع المعادن وأجملها على الإطلاق، وإليكم بعضا من أوجه ذلك الجمال: جميع المعادن على كوكبنا ذات لون أقرب إلى الرمادي الممل، ما عدا أربعة معادن؛ وهي الذهب، والسيزيوم ولونه الذي يميل إلى الذهبي، والأوزميوم الذي يكاد أن يكون لونه أزرق.. أما النحاس فيستعرض جماله بلونه الذي يقع ما بين البرتقالي، والأحمر، والذهبي. ووصف الكثيرون مزايا هذا المعدن الرائع في الصناعة، وبالذات في عالم الكهرباء والكابلات والأسلاك الكهربائية. ولا عجب في ذلك، فهو من العناصر التي تتميز ذراتها بالإلكترونات «المفلوتة». يعني بداخل ذرات النحاس هناك إلكترونات تريد الانطلاق.. كالمراهق الذي تعلم القيادة حديثا.. وبالتالي فهو من أفضل المعادن التي تحرك الطاقة الكهربائية.. وتحديدا فهو ثاني أفضل المعادن في تحريك الطاقة الكهربائية بعد معدن الفضة، ولكن النحاس أكثر وفرة وأرخص ثمنا، وبالتالي فيتربع على هذا العرش المهم.. ولا كهرباء بدون نحاس.. ولكن حتى قبل أن يبدأ عصر الكهرباء في مطلع القرن العشرين، كانت هناك هيبة كبيرة للنحاس، والسبب كان سهولة تشكيله حتى في الصناعات البدائية، وسهولة خلطه مع المعادن الأخرى مثل القصدير لتنتج عنه الخلطة المعدنية التي غيرت التاريخ وهي «البرونز».. ولهذا الموضوع أهمية كبيرة في تاريخ البشرية تنعكس في أن هناك حقبة تاريخية اسمها العصر «البرونزي». وترمز تلك الحقبة التي امتدت لفترة حوالي ألفين وستمائة سنة حول العالم وتميزت بتطوير تقنية المعادن لصناعة الأسلحة، و«القرنقش» أي النقود المعدنية، وأدوات الطهي، والزراعة. كل هذا اعتمد بإرادة الله على النحاس كإحدى المكونات الأساسية. وفي عالم البحار نجد للنحاس مكانة كبيرة، ففي كل باخرة قديمة وحديثة ستجد النحاس بكثرة: ستجده في الطلاء الذي يحمي جسم السفينة من الصدأ والتآكل من مياه البحر.. وستجده في مراوح السفن الحديثة مخلوطا مع معدن «النيكل» لحماية أسطحها من تأثيرات الفقاقيع الشديدة التي يمكنها أن تدمر المعادن.. تخيل «فقاقيع» تدمر معادن.. وستجده أيضا في الأنابيب المختلفة في أحشاء السفن نظرا لمقاومته العجيبة للتأثيرات الشديدة من البيئة البحرية. وفي عالم الطيران ستجد أنه من أهم العناصر في تصنيع الطائرات الجديدة مثل البوينج 787 التي تعتمد على الكهرباء في العديد من أجهزتها، بل ويستخدم أيضا ضمن خلطات جديدة مع الألمونيوم في صناعة هياكل الطائرات الحديثة. ولكن للنحاس أسرار أخرى أغرب من الخيال، وبالذات في عالم الأحياء. لنبدأ بالقول إن كل منا بداخله كمية من النحاس، وقد تبدو بسيطة فهي أقل من عُشر وزن كيس شاهي «ربيع». يعني كمية النحاس في عشرة أشخاص تعادل تقريبا وزن كيس شاهي يتيم. وذرات النحاس تعشق «الشعبطة» وبالذات على المواد العضوية. وسبحان الله أن هذه الميزة تجعل النحاس من المواد القاتلة للجراثيم، لذا فالعديد من المبيدات الزراعية تحتوى على المعدن بخلطات مختلفة. وهناك استخدامات أخرى تعتمد على خصائص قتل الجراثيم ومنها في السباكة. فعبر التاريخ كان استخدام الأنابيب النحاسية مقرونا بالصحة. ولاحظ أن مكونات النقود المعدنية لا تخلو من النحاس كأحد المكونات الرئيسة بهدف مقاومة نقل الجراثيم من يد لأخرى. وفضلا لاحظ نظافة النقود المعدنية نسبة إلى النقود الورقية التي تصل إلى مرحلة القرف في بعض الدول ففيها تجد العرق والزيوت والتراب، بل وبعض بقايا المخدرات في بعض الأحيان. وأخيرا، فلا ننسى أن للنحاس أوجها جمالية مهمة، فعندما تتعرض ذراته للهواء، «تتشعبط» عليه ذرات الأوكسجين «لتؤكسده»، ولكن بدلا من أن يتحول إلى صدأ مثل الحال مع الحديد، يتحول إلى كربونات النحاس التي تتميز بلونها الأزرق الجميل.. وستجدها على تمثال الحرية المشهور في مدينة نيويورك، وفي العديد من المباني التاريخية الجميلة جدا في أوروبا من لندن، وروما، إلى باريس، وبراغ. أمنية: ما أكثر نعم الله علينا في هذا البلد الكريم، وما أجملها. فضلا تأمل في كمية النحاس الذي ستستفيد منه اليوم.. من جوالك إلى نقودك، والتيارات الكهربائية التي ستخدمك.. نعمة من أروع النعم، وكلما بحثنا في جمالها وفوائدها، كلما سنجد مصادر أكثر وأكبر للسعادة، ولشكر الله عز وجل.. وهو من وراء القصد.