النبل من السمات التي تعبر عن التميز، وبالتالي فالمفروض أن يخضع استخدام هذه الصفة للحرص والتقنين. وللعلم، فحتى في لغات أخرى، ومنها الإنجليزية والفرنسية يستخدم نفس اللفظ لوصف المكانة المتميزة. والموضوع لا يقتصر على البشر فحسب، ففي عالم الكيمياء نجد مجموعات من العناصر يطلق عليها وصف «النبيلة» وأشهرها غازات الهليوم، و النيون، والكريبتون، والزينون، و الرادون. وكل هؤلاء النبلاء يتميزون بالثبات وعدم الرغبة في التفاعل مع أي من العناصر الأخرى. وللتذكير فقصة عالم الكيمياء بأكمله تتلخص في رغبة ذرات بعض العناصر المختلفة في التخلص من إلكترونات، والبعض الآخر الذي يرغب في كسب الإلكترونات بشتى الطرق. بعضهم يلجأ إلى «العنف» للحصول على المراد، والبعض الآخر «يشحذ»، و «يتسلف»، و «يتشارك» ... والبعض الآخر «يتحايل»، و «يسرق»، وكل ذلك للحصول على الإلكترونات، أو التخلص من الزائد منها. عنصر الصوديوم مثلا عنده مشكلة إلكترونات يرغب في التخلص منها ويتصرف بجنون وعنف لدرجة أنه يشتعل على سطح الماء، تخيل أن يشتعل شيء في الماء؟ ومن جانب آخر نجد أن عنصر الكلور يريد أن يحصل على إلكترونات بأي طريقة كانت وكأنه مدمن مخدرات مستعد للقتل للحصول على ما يريد. وهو من المواد السامة، ولو بحثت في تاريخ الحرب الكيماوية ستجد أنه كان أول ما تم استخدامه على نطاق واسع خلال الحرب العالمية الأولى من ألمانيا ضد فرنسا. وكانت آلية عمله بشعة جدا فكانت تدخل ذراته إلى أحشاء جسم الضحايا فتمزق الخلايا بداخل أجهزتهم التنفسية من خلال بحثها عن الإلكترونات بشراهة وعنف. ولكن عندما يتلاقى الصوديوم والكلور يعطي الأول إلكتروناته الزائدة للكلور «المجنون» المحتاج، وينتج عن ذلك الملح الوديع الذي نرشه على الطعام يوميا بدون حرائق أو انفجارات أو دراما. ونعود إلى العناصر النبيلة فنجد أنها في الواقع عبارة عن مجموعات من الذرات الخاملة. يعني «تنابلة السلطان» في أقوى أدوارها، فهي لا تريد أن تتحد ولا تتشارك إلا مع بعضها البعض لتبقى «نقية». وهناك أيضا المعادن النبيلة، وتتميز بعدم رغبتها في التفاعل مع ذرات الأوكسجين فهي غير قابلة للتأكسد، بل ومعظمها لا يرغب في المشاركة أو الاتحاد مع العناصر الأخرى. وأشهر المعادن النبيلة هي الذهب، والبلاتين، والأوزميوم، والروديوم، والإريديوم، والبالاديوم، والريثنيوم. وكلها ثمينة ونادرة. ومعظمهم يمارسون «التنبلة» في أقوى أدوارها. ولنقف وقفة تأمل هنا، فهل هذه العناصر نبيلة أم «متنبلة» ؟. ولننتقل إلى عالم البشر فلا شك أن بعض من أشهر من يطلق عليهم النبلاء هم الفائزون بجوائز نوبل العالمية في فروعها المختلفة. والجائزة المرموقة عالميا تمنح سنويا في مجالات الفيزياء، والكيمياء، والأدب، وعلم وظائف الأعضاء أو الطب، والأدب، وعلوم الاقتصاد. وقد تأسست عام 1895 من السويدي ألفرد نوبل. ويحصل الفائز أو مجموعة الفائزين في كل من المجالات المختلفة على المكانة العالمية المرموقة، وميدالية، وشهادة، وما يعادل حوالى خمسة ملايين ريال. وقد منحت لحوالى 863 شخصية من حول العالم منذ نشأتها. ولنقف وقفة تأمل هنا حيال بعض من تلك الشخصيات : في عام 1978 كان أحد الفائزين بجائزة نوبل في السلام هو رئيس الوزراء الإسرائيلي «مناجيم بيجن» الذي تسبب في قتل آلاف الأبرياء لمجرد كونهم من العرب. عيب!، وفي عام 1918 كان الفائز في مجال الكيمياء هو العالم الألماني «د. فريتز هابر» بسبب اختراعه لآلية صناعة النشادر من الهواء. والرجل كان نابغة، ولكنه كان من مجرمي الحرب فهو أب الحرب الكيماوية الحديثة وكان يبتكر طرقا لاستخدام الكيمياء للقتل أثناء الحرب العالمية الأولى. أمنية انتشرت ظاهرة التسيب في استخدام المفردات الجميلة الدقيقة سواء كانت للأشياء، أو الأفراد، أو حتى السلوكيات. أتمني أن نحرص على استخدام المصطلحات الجميلة، وبالذات التي تصف روائع النبل والنبلاء. ولنؤكد أن لا علاقة لهم بالتنبلة، أو بالأعمال الإجرامية خلال الحرب والسلم.. والله يسلمهم من ذلك. وهو من وراء القصد.